
هل فكرت يومًا فيما إذا كانت هناك عوالم من الأفكار والوعي الخفي لا نستطيع رؤيتها؟ هذا هو التحدي الذي تواجهه العائلات والأطباء يوميًا مع مرضى الغيبوبة الذين قد يكونون واعين داخليًا بينما يبدو عليهم الغياب التام. اكتشاف جديد يُظهر أن الذكاء الاصطناعي قادر الآن على رصد ما لا تلتقطه العين البشرية، مُكتشفًا إشارات وعية خفية لدى المرضى قبل ملاحظتها بأيام بل أكثر.
ما هو الوعي الخفي في مرضى الغيبوبة؟

الوعي الخفي مفهومٌ طبي مثير حيث يبقى الشخص واعيًا داخليًا لكنه غير قادر على التعبير عن ذلك خارجيًا. تخيل أنك تدرك كل ما حولك بينما جسدك لا يستجيب لأوامرك. هذا هو الواقع لأشخاص أُصيبوا بإصابات دماغية شديدة.
دراسة حديثة نُشرت في مجلة Communications Medicine تكشف أن الذكاء الاصطناعي استطاع اكتشاف إشارات الوعي الخفي لدى مرضى الغيبوبة. فريق البحث من جامعة ستوني بروك أظهر أن خوارزميتهم SeeMee قادرة على تحليل الحركات الوجهية الدقيقة التي تفوت العين البشرية للكشف عن الوعي المختفي.
الحركات الدقيقة هنا دقيقة بشكل استثنائي. قد تقتصر على رعشة شفوية خفيفة أو محاولة بالكاد ملحوظة لفتح العينين، لكن الذكاء الاصطناعي يُحلِّل كل تفصيل بدقة، تمامًا كما يلاحظ كراقب متمرس أدق التغيرات في سلوكيات المريض.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في كشف الوعي الخفي؟

نظام SeeMee يركز على الرصد الدقيق دون تشويش. يحلل الآلاف من مقاطع الفيديو القصيرة للمرضى، بحثًا عن أنماط متكررة في حركات العينين أو الشفتين التي قد تشير إلى الوعي. ما يبدو تعقيدًا رياضيًا بحتًا للآلة هو في الحقيقة اختراقٌ علمي.
وجد الباحثون أن الذكاء الاصطناعي اكتشف محاولات المرضى لفتح أعينهم أو تحريك شفتهم بمتوسط 80.3 يومًا قبل أن يلاحظها الأطباء! هذا تقدم علمي بالغ الأهمية.
لماذا يعد اكتشاف الوعي الخفي مفصليًّا للطب والعائلات؟

يواجه الأطباء قرارات صعبة عند إدارة حالات الغيبوبة: هل نكثف العلاج أم نركز على الرعاية التلطيفية؟ الغموض حول وجود وعي لدى المريض يجعل هذا القرار أصعب.
الآن، توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي معلومات دقيقة تُساعد في اتخاذ القرارات الإكلينيكية بدقة أعلى. يؤكد الدكتور يان كلاسن، أخصائي علم الأعصاب في جامعة كولومبيا: «الكشف المبكر على الوعي الخفي يُقدم معلومات دقيقة للأطباء وعائلات المرضى عند اختيار خطط العلاج المناسبة».
الأهم أن هذا الاكتشاف يُنهي سنوات من الشك التي تعيشها العائلات: هل أحباؤهم يدركون ما حولهم؟ كل من راقب مريضًا يعرف قيمة هذه الإشارات الدقيقة، وهي الآن قابلة للقياس بموضوعية.
كيف يُعيد هذا الاكتشاف تعريف التواصل البشري؟

تذكّر لحظة محاولة فهم طفلك قبل أن ينطق كلماته الأولى. كم من الإشارات الدقيقة كنا نتأملها؟ اليوم، تسمح لنا التكنولوجيا نفسها بالاستماع لـ «همسات الوعي» التي كانت تُضيع سابقًا.
هذا ليس اكتشافًا تقنيًّا فحسب، بل نافذة على إنسانيتنا المشتركة. ففي اللحظات التي يفقد فيها الصوت معناه، تصبح أصغر الحركات رسالة. قد تفتح هذه التقنية قنوات اتصال جديدة مع المرضى، مثل واجهات دماغ-حاسوب تترجم الإشارات دون حركة ملموسة.
ما الأثر الأوسع لكشف الوعي الخفي؟

نرى اليوم كيف يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة تحاليل إلى شريك في فهم الحياة الإنسانية. في التعليم، يُحسّن تحليل تعبيرات الوجه تجربة التعلّم؛ فما الفرق بين رصد حركة عين طالب متردد ورصد رعشة شفوية لمرضى الغيبوبة؟ كلاهما شكل من فهم «ما وراء الكلمات».
المستقبل يقوده اتحاد الدقة العلمية مع التعاطف البشري. حين ندمج التكنولوجيا بمسؤولية، لا نكتسب أدوات لتحليل البيانات فقط، بل نُعيد تعريف طريقة تعاملنا مع الهشاشة الإنسانية. ففي النهاية، الهدف الأسمى هو ألا يبقى أحد وحيدًا حتى في أحلك لحظات الصمت.
الحياة هشة، لكنها أيضًا عامرة بالإشارات التي تستحق الرصد. ربما أتت هذه التكنولوجيا لتذكيرنا: حتى في الظلام، قد يكون هناك نورٌ خافت ينتظر من يراه.
Source: AI Spots Hidden Signs of Consciousness in Comatose Patients before Doctors Do, Scientific American, 2025/08/31 12:00:00
