أتذكر تلك اللحظة عندما رأيت ابنتي الصغيرة تتعاطف مع شخصية كرتونية تبكي على الشاشة… كم سيكون الأمر مختلفاً لو أن هذه التكنولوجيا، مثل الواقع الممتد، يمكنها أن تنقل لها تجارب إنسانية حقيقية؟ هذا بالضبط ما تفعله تجارب الواقع الممتد الفائزة في مهرجان البندقية السينمائي هذا العام.
كيف يمكن للواقع الافتراضي أن يروي قصصاً تلامس القلب؟
في تجربة \”أقل من 5 غرام من الزعفران\” للمخرجة الإيرانية نيغار موتيفالي، نرى كيف يمكن لرائحة طعام بسيطة أن تفتح أبواب الذاكرة المؤلمة. فتاة تهاجر بحثاً عن حياة أفضل، تقوم بطهي الأرز بالزعفران لتهدئة حنينها للوطن، لكن هذه الرائحة تنقلها فجأة إلى ذكرى مأساوية – غرق سفينة أودت بحياة أحبائها منذ ثلاث سنوات.
ما أدهشني حقاً هو كيف استطاعت هذه التجربة التي لا تتعدى 7 دقائق، بدون حوار، أن تنقل المشاعر الإنسانية العميقة. هذا يجعلني أفكر: لو أن أطفالنا يستطيعون من خلال هذه التقنيات أن يعيشوا لمحات من حياة الآخرين، كم ستنمو لديهم قدرة التعاطف والفهم للآخر؟ إنها أداة قوية لتعزيز الذكاء العاطفي لديهم.
هل تصبح التكنولوجيا وسيلة أفضل لفهم العالم؟
مهرجان البندقية للواقع الممتد أصبح المنصة الأولى عالمياً لعرض أعمال الواقع الممتد، وهذا ليس صدفة. إنه يعكس كيف أصبحت هذه التقنيات أدوات قوية لسرد القصص الإنسانية المعقدة.
تخيلوا معي: بدلاً من مشاهدة الأطفال لأخبار الهجرة كمشاهد بعيدة، يمكنهم من خلال تجارب الواقع الافتراضي للأطفال أن يشعروا بجزء بسيط من رحلة المهاجرين. ليس بهدف إخافتهم، بل لفهم التحديات التي يواجهها الآخرون.
هذا يذكرني بذلك اليوم الذي حاولت فيه شرح مفهوم الهجرة لابنتي الصغيرة. كانت الأسئلة لا تنتهي: \”لماذا يترك الناس بيوتهم؟\”، \”أليس من الصعب أن تبدأ من جديد؟\”. تجارب مثل هذه يمكن أن تجيب على هذه الأسئلة بطريقة أكثر عمقاً من أي شرح، مما يساهم في تنمية التعاطف عند الأطفال بشكل عملي.
كيف نوازن بين العالم الرقمي والواقعي في تربية أطفالنا؟
بالطبع، السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نوفق بين استخدام هذه التقنيات الحديثة والحفاظ على الاتصال بالعالم الحقيقي؟
الأمر يشبه تحضير وجبة متوازنة – قليل من التقنية لفتح الآفاق، وكثير من اللعب الحقيقي والتفاعل المباشر. المفتاح هو استخدام التكنولوجيا كجسر للفهم، وليس كبديل للخبرة الحية. وهذا هو جوهر التربية الحديثة.
لماذا لا نجرب مع أطفالنا نشاطاً بسيطاً؟ بعد مشاهدة تجربة عن ثقافة مختلفة، نطبخ معاً طبقاً من تلك الثقافة. الرائحة، المذاق، الملمس – هذه كلها ذكريات حقيقية تترسخ في القلب.
ما دورنا في غرس القيم الإنسانية بعصر التكنولوجيا؟
ما يعجبني في تجارب مثل \”أقل من 5 غرام من الزعفران\” هو تركيزها على الجانب الإنساني في قصص قد نعتاد رؤيتها في الأخبار. بدلاً من الإحصاءات والأرقام، نرى شخصاً يحاول بناء حياة جديدة بينما يحمل ذكريات مؤلمة.
هذا يعلم أطفالنا أن خلف كل رقم وإحصائية، تقف قصة إنسان. وأن التعاطف ليس مجرد شعور، بل هو فهم لتعقيدات الحياة البشرية. وهذا هو أساس تنمية التعاطف عند الأطفال.
في النهاية، هل ستجعل هذه التقنيات أطفالنا أكثر إنسانية؟ الإجابة تعتمد على كيف نستخدمها. إذا استخدمناها كوسيلة لفهم الآخر وليس للهروب منه، فسيكون المستقبل مشرقاً بكل تأكيد.
خاتمة: كيف نبني جسراً من التعاطف للمستقبل؟
بينما نتابع تطور تقنيات الواقع الممتد في مهرجانات مثل البندقية، دعونا نتذكر أن القيمة الحقيقية ليست في التقنية نفسها، بل في القصص الإنسانية التي تنقلها. كآباء، لدينا فرصة ذهبية لاستخدام هذه الأدوات لزرع التعاطف والفهم في قلوب أطفالنا.
لنكن مثل ذلك الزعفران القليل الذي يغير نكهة الطبق كله – بتجارب صغيرة هادفة، يمكننا أن نغير طريقة نظر أطفالنا للعالم من حولهم. عالم حيث التكنولوجيا لا تفصلنا، بل تقربنا من إنسانيتنا المشتركة.
المصدر: Venice Immersive 2025 Crowns Three, Rewards Are Many, Forbes, 2025/09/06 21:26:04