
أخيراً هدأ البيت. أصوات النهار وهمهمته تلاشت، ولم يبقَ سوى أنفاس أطفالنا النائمين، وصوت كوب الشاي بالنعناع الذي يبرد ببطء بين أيدينا. في هذا الهدوء، نظرتُ إليكِ وقلتُ بهمس: “أتذكرين سؤال صغيرنا اليوم وهو يشاهد ذلك الفيديو؟ سألكِ ببراءة تامة: ماما، هل هذا الشخص الذي يغني حقيقي أم أنه روبوت؟”.
ابتسمتِ تلك الابتسامة التي أعرفها، تلك التي تمزج بين الحنان والقليل من القلق. هذا السؤال البسيط، يا حبيبتي، أعرف أنه ليس مجرد فضول عابر. إنه نافذة نطل منها على العالم الذي يكبر فيه أطفالنا، عالم تتداخل فيه الحقيقة بالخيال، والإنسان بالآلة. لم يعد الأمر مجرد حديث عن التكنولوجيا، بل أصبح حديثًا عن جوهر إنسانيتنا، وكيف نحافظ على أصالتها في قلوبهم الصغيرة.
الفضول البريء في عالم يزداد تعقيدًا

أعجبني ردكِ عليه اليوم. لم تقولي له “نعم” أو “لا” ببساطة. بل جلستِ بجانبه وسألته: “وماذا تظن أنت؟ كيف يمكننا أن نعرف؟”. لقد حوّلتِ لحظة حيرة إلى فرصة للاكتشاف يعني، زي ما بنلعب لعبة كشف الاختلافات اللي بيحبها.
هذا الفضول الذي يملأ أعينهم هو درعهم وسلاحهم. طبعاً أتذكرين كيف كانت أسئلتهم تدور حول “لماذا السماء زرقاء؟” أو “لماذا تطير الطيور؟”. الآن، أصبحت الأسئلة أكثر عمقًا: “هل هذا الشعور الذي في الأغنية حقيقي؟”، “هل هذه القصة من تأليف إنسان؟”. في كل سؤال، أرى انعكاسًا لمهمتنا كأبوين: أن نجعلهم مستكشفين شجعانًا، لا مستهلكين سلبيين.
بناء “مناعة رقمية” بلمسة من المرح
ومن هذا الفضول ننتقل إلى بناء مناعة رقمية…

أحيانًا، أشعر بالقلق من هذا الطوفان الرقمي. كيف نحمي أطفالنا من الذكاء الاصطناعي وكل ما هو مزيف ومصطنع؟ لكنني أراكِ تحولين هذا القلق إلى لعبة زي اللي بنلعبها مع العائلة وقت المغرب.
بهذه الطريقة، أنتِ لا تمنحينهم قائمة من القواعد والممنوعات، بل تبنين بداخلهم “مناعة رقمية”، حاسة سادسة تجعلهم يتوقفون ويفكرون قبل أن يصدقوا كل ما يرون. إنها مهارة أهم من أي درس تقني، لأنها تعلمهم أن يثقوا بحدسهم وبقدرتهم على التمييز.
في الإبداع الإنساني… ملاذنا الآمن

في خضم كل هذا الحديث عن قدرات الذكاء الاصطناعي المذهلة، أجد أكبر قدر من الطمأنينة في اللحظات البسيطة التي لا يمكن لأي آلة تقليدها. مثل تلك الرسمة غير المكتملة التي علقتها على الثلاجة، أو القصة الخيالية المليئة بالأخطاء التي رواها لنا صغيرنا قبل النوم.
هذه هي الإنسانية في أنقى صورها: فوضوية، غير متوقعة، ومليئة بالمشاعر الحقيقية
بوصلتنا المشتركة في رحلة التوازن
هذا العالم الرقمي لن يختفي، بل سيزداد حضورًا في حياتهم. ومهمتنا ليست أن نعزلهم عنه، بل أن نمنحهم بوصلة داخلية تساعدهم على الإبحار فيه بأمان.
قد يكون الطريق طويلاً ومليئًا بالتحديات، لكن عندما أراكِ وأرى الطريقة التي ترشدين بها عائلتنا بحب وهدوء، أشعر أننا على ما يرام. نحن لا نملك كل الإجابات، ولكننا نملك بعضنا البعض. وهذا، يا حبيبتي، هو أجمل ما في رحلتنا – أننا نملك بعضنا البعض وفي قلوبنا أمل لا ينضب!
المصدر: Sam Altman Concerned That the Whole Internet Now Feels Fake as AI Takes Over, Futurism, 2025/09/13
