
هل تذكرين وقفتكِ الصامتة في المطبخ ليلة أمس؟ كان الأطفال قد ناموا للتو، وهدأ ضجيج اليوم أخيراً. كنتِ تقفين هناك، ورغوة الصابون لا تزال على يديكِ، وملامحكِ شاردة. أعرف أنكِ كنتِ تفكرين في تلك اللحظة التي قاطعكِ فيها صغيرنا وهو يسأل ‘لماذا قوس قزح شكله هكذا؟’ بينما كنتِ غارقة في تحضير الغداء. يا لها من لحظة! وشعرتُ فجأة، وكأن في الهواء سؤالاً صامتاً بيننا. في هذا العصر الذي يضع كل معارف العالم في راحة يدنا الصغيرة، كيف يمكننا أن نحمي تلك ‘الدهشة’ البريئة في عيون أطفالنا؟ كيف نجيب على أسئلة الأطفال بذكاء يحفظ لهم شغفهم الأول؟
أحياناً، أفضل إجابة هي ألا تجيب

عندما سأل طفلنا ‘لماذا المطر يسقط من السماء؟’، رأيت في طريقة تعاملكِ مع الموقف شيئاً أثر في قلبي بعمق. بدلاً من أن تسحبي الهاتف فوراً لتبحثي عن إجابة علمية، جلستِ القرفصاء بجانبه ونظرتِ في عينيه مباشرةً. تخيلي معي!‘وماذا يظن عالمنا الصغير؟’
بكلمة واحدة، تحول مطبخنا إلى مختبر استكشافي عظيم. لقد رأيت البريق في عينيه وهو يحاول أن يبني نظريته الخاصة. أخبرتني لاحقاً أنكِ قرأتِ أن الأطفال يتذكرون المعلومة لفترة أطول حين يشاركون في رحلة البحث عنها. ‘أردتُ أن أجعله يشمّ عبير الوردة، لا أن أصفه له بالكلمات’. همستِ لي بذلك بعينين متعبتين ولكن لامعتين، وبدا لي وجهكِ جميلاً جداً في تلك اللحظة.
بفضل حكمتكِ، تحولت أسئلة ما قبل النوم العشوائية إلى مهام مراقبة للسحاب في عطلة نهاية الأسبوع، وظلت فرضيات أطفالنا الصغيرة تتلألأ مثل اليراعات في جرة زجاجية.
صديقة تتساءل معه، لا آلة لبيع الإجابات

في نهاية الأسبوع الماضي، أدهشتني دقتكِ مرة أخرى. سأل صغيرنا كيف تتحول اليرقة إلى فراشة، فبحثتِ معه عن فيلم وثائقي. لكنكِ فعلتِ شيئاً غير متوقع. في اللحظة الحاسمة التي كانت فيها اليرقة تنسج شرنقتها، أوقفتِ الفيديو.
انحنيتِ وهمستِ في أذنه بنبرة مليئة بالفضول: ‘يا تُرى، ما الذي تحلم به اليرقة داخل شرنقتها الدافئة?’
في تلك اللحظة، أدركتُ أنكِ لا تستخدمين الشاشة كآلة تقدم إجابات جاهزة، بل كصديق يشاركه رحلة الاستكشاف. هذه من أروع أساليب تنمية تساؤلات الطفل. أتذكر قولكِ لي ذات مرة أنكِ لا تريدين أن يرى أطفالنا التكنولوجيا ككيان مطلق المعرفة.
‘أريد أن يشعر طفلي بالراحة وهو يعتقد أن حتى الآلات الذكية قد تتساءل أحياناً، أو قد لا تعرف كل شيء’. سمعتُ صوتكِ الهادئ وأنتِ تطوين الجوارب، ورأيت فيكِ شجاعة الأم التي تعلم أطفالها كيف يرقصون مع المجهول.
نعتني بـ ‘حديقة أسئلتنا’ العائلية

تملأ قلبي الدفء كلما رأيت تلك الجرة الزجاجية على حافة النافذة، وهي تمتلئ شيئاً فشيئاً بقصاصات ورق صغيرة تحمل أسئلة طفلنا بخطه المتعثر. كما يفعل الأهل في كوريا بجمع أسئلة الأطفال في علبة خاصة، مع لمسة كندية بالبحث عن الإجابات معاً في الطبيعة. إنها طريقتكِ الرائعة للاحتفاظ بتساؤلاته الثمينة التي قد تضيع في زحمة اليوم.
وفي كل يوم أحد، نخرج إحدى هذه القصاصات وننطلق في ‘رحلة استكشاف’. الأسبوع الماضي, كان السؤال ‘ما هي الكنوز المخبأة تحت الأرض؟’، وقضى طفلنا اليوم كله يجمع حصى الحي كأنها كنوز حقيقية.
يقول أحد علماء النفس إن التفكير النقدي لدى الطفل لا يتطور عندما يجد الإجابة الصحيحة، بل من خلال الأسئلة المتابعة التي يطرحها والداه. وأنتِ تمارسين هذه الحكمة بالفطرة.
‘وماذا أيضاً?’، ‘أين يمكن أن نبحث؟’، ‘ما رأيك لو جربنا كذا?’. كل سؤال تطرحينه هو بذرة تزرعينها في تربة عقله لتنبت منها براعم التفكير.
في نهاية المطاف، ليست الإجابات هي التي تشكل عقول أطفالنا, بل الأسئلة التي نغرسها في قلوبهم… وهذا هو الإرث الأغلى الذي يمكننا تركه لهم
