
بالأمس فقط، كان مجرد صندوق من الورق المقوى وصل مع طلبات البقالة. لكن في عالم طفلنا الصغير، تحول اليوم إلى ‘كلب آلي’ بعد أن رسم عليه أزرارًا بأقلام التلوين وربط به وشاحك القديم كطوق.
أتذكرين كيف كان يشرح بحماس عن قوى هذا الروبوت الخارقة، كالعثور على الجوارب المفقودة وتحويل الكوابيس إلى حلوى غزل البنات؟ في تلك اللحظة، وأنا أراقبه، فكرت في العالم الذي سينشأ فيه.
لقد تحدثنا في هذا الأمر من قبل، أليس كذلك؟ في تلك الليالي التي كنتِ فيها تحدقين في شاشة حاسوبك بجبين مقطّب، تتساءلين بقلق: كيف نربي أطفالنا في عصر الذكاء الاصطناعي؟ هل نعلمهم البرمجة بما يكفي؟ هل سيتخلفون عن الركب؟
لكن رؤية طفلنا وهو يتفاوض على قصة إضافية قبل النوم مع كلبه الآلي الخيالي، جعلتني أدرك شيئًا. لقد كنا نعدّه للمستقبل طوال الوقت. من خلال حواراتنا على مائدة الإفطار، والأسئلة التي نطرحها ونحن نمشي في الشارع، وسلسلة ‘لماذا؟’ التي لا تنتهي. إن أعظم مهاراته لن تكون لغة برمجة؛ بل هي ثلاث قوى خارقة إنسانية بحتة، قوى ننميها فيه كل يوم دون أن ندرك ذلك.
القوة الخارقة الأولى: سيل الأسئلة الذي يرهقنا هو في الحقيقة بذرة العبقرية

هل تذكرين عشاء ذلك المساء؟ بدأ طفلنا بسؤال عن سبب عدم سقوط الغيوم على الأرض، ثم انتقل إلى كيف تعرف الطيور طريقها، وانتهى بسؤال عما إذا كان للنمل أصدقاء مقربون.
كنتِ مرهقة تمامًا بعد يوم طويل من الاجتماعات والعمل الإضافي، ومع ذلك، أجبتِ على كل ‘لماذا؟’ بذلك الفضول الدافئ الذي يدهشني دائمًا. قلتِ له: ‘هذا سؤال رائع حقًا. ما رأيك أن نبحث عن الإجابة معًا؟’، ثم أريته خريطة هجرة الطيور الموسمية على هاتفك.
تلك اللحظة بالذات، هي السر. في عالم يمكن فيه لروبوتات الدردشة أن تقدم إجابات فورية، فإن قدرة طفلنا على طرح أسئلة غريبة ومبتكرة هي قوته الخارقة الحقيقية. إن وابل الأسئلة الذي لا ينتهي، والذي نستقبله بصبر يكاد ينفد أحيانًا، هو في الواقع تدريب لأكثر مهارات دماغه أهمية للمستقبل: الفضول الذي لا يكل.
ليس المعرفة التي تأتي بنقرة زر، بل الدهشة العميقة التي تحوّل اللحظات العادية إلى رحلة استكشاف. في كل مرة تحولين فيها عبارة ‘حسنًا، أنا لست متأكدًا’ إلى بداية لعبة تحقيق بوليسية، فأنتِ تبنين الدوائر العصبية في عقله التي ستساعدته على الصمود بقوة في عالم مليء بالغموض.
هل ترين هذه القوة في طفلكِ كل يوم؟
وهناك قوة أخرى، ربما أخفى، لكنها لا تقل أهمية…
هل تعلمين أننا نربي ‘محقق قصص’ صغير؟

كان صباح أمس فوضويًا بحق. صندوق الغداء نصف ممتلئ، والطفل يبكي لأنه لا يجد فردة حذائه، والزبادي يلطخ ملابسه. لكنكِ أوقفتِ كل شيء للحظة. كان ذلك عندما جاءكِ طفلنا بالجهاز اللوحي ليريكِ مقطعًا لرقصة مشهورة.
سألتهِ بفضول حقيقي، بينما كنتِ تبحثين عن الحذاء المفقود: ‘ما الذي يعجبك في هذه الرقصة؟ وكيف تختلف عن رقصاتنا المضحكة في المطبخ؟’. هذا السؤال البسيط حوّل طفلنا من مستهلك سلبي إلى مفكر ناقد.
في خضم طوفان المعلومات الذي يولده الذكاء الاصطناعي، فإن القدرة على استخلاص المعنى، أي أن تكون ‘محقق قصص’، هي قوة لا يمكن لأي خوارزمية أن تعلمها.
إنها تنمو من تلك اللحظات التي نجلس فيها حول مائدة العشاء ونسترجع تفاصيل شجار حدث في المدرسة، أو عندما تسألينه أثناء تحضير الطعام: ‘لو كنت مكانه، ماذا كنت ستفعل بشكل مختلف؟’.
هل ترين هذه القوة في طفلكِ كل يوم؟
وأخيرًا، هناك قوة ثالثة تتجلى في التعاطف العميق
قوتكِ الخارقة الهادئة التي تظهرينها كل يوم: خوارزمية ‘نحن’

هناك حقيقة لا يذكرها أي مؤتمر تقني. أعظم انتصاراتنا كآباء وأمهات حدثت الأسبوع الماضي، عندما انهار طفلنا باكيًا لأن شرائح التفاح لم تكن مقطوعة بالتساوي.
كنتِ تجرين مكالمة عمل مهمة، لكنكِ أوقفتها للحظة، وجلستِ القرفصاء أمامه وهمستِ: ‘حبيبي، هل هناك شيء آخر أزعجك اليوم؟’. اتضح أن المشكلة الحقيقية كانت شعوره بالوحدة لأنه لم يستطع الانضمام إلى مجموعة من الأصدقاء أثناء الاستراحة.
ما حدث بعد ذلك كان بمثابة كيمياء عاطفية خالصة. شاركتهِ تجربتكِ الخاصة عندما بدأتِ وظيفتكِ الجديدة وكيف كان طلب المساعدة أمرًا مخيفًا. ثم جاءت اللحظة السحرية: جلستما معًا وخططتما لكيفية الاقتراب من الأصدقاء في اليوم التالي. لم يكن هناك تطبيق أو مدرب ذكاء اصطناعي، كان مجرد تواصل إنساني عميق.
هذه هي القوة الخارقة التي لا يمكن استنساخها والتي نعلمها كل يوم. عندما نحول شجارًا إلى مهمة تعاونية، أو نناقش لماذا بدا أمين الصندوق في المتجر متعبًا، وعندما تبادرين بالاعتذار أولاً بعد أن تفقدي صبرك، في كل مرة يحدث ذلك، يتم تثبيت ‘برنامج تواصل’ فريد داخل طفلنا. في عالم يصبح فيه الذكاء الاصطناعي خبيرًا في المحادثات المبنية على المعاملات، فإن هذا التعاطف العميق هو ما سيجعل طفلنا كائنًا لا يمكن لأي شيء أو أي شخص أن يحل محله.
أحيانًا أتساءل إذا كانت هذه اللحظات العابرة هي الأهم في رحلة التربية، أليس كذلك؟
المصدر: 3 Human Skills That Make You Irreplaceable in an AI World, Getting Smart, 2025-09-16.
