
ذات مساء، بينما كنا نرتب ألعاب الصغير المنتشرة في الغرفة، توقف فجأة وسأل بذلك الصوت النقي: “لماذا تبتسم الزهور عندما تلمسها الشمس؟”. توقفت كل حركة في الغرفة للحظة. نظرتُ إليها… كيف ستجيب؟ هل ستُسرع بالإجابة العلمية؟ أم ستقول تلك العبارة التي نسمعها كثيراً: “اسket وانهِ ترتيب غرفتك!”.
لكن ما حدث بعدها جعل قلبي يرفرف كطائر صغير. انزلقت على ركبتيها بجانبه وقالت: “يا لهُ من سؤال جميل! دعنا نرسم معاً كيف تبدو الزهور الضاحكة؟“. في تلك اللحظة فهمتُ سر التوازن الذي تبحث عنه كل أم. وأنا أبتسم للفكرة، أدركت كم هذه الحكمة بسيطة مع أنها تغفل عنها كثيرًا منا أحيانًا.
عندما يكون سؤال “لماذا؟” بداية المغامرة لا عبئاً ثقيلاً

نتذكر جميعاً أيام الطفولة حين كان فضولنا يُقابل بالتهديل أو الإجابات الجاهزة. لكني أراها تفعل العكس تماماً. عندما يُلقي الطفل بأسئلته التي لا تنتهي، لا تتعامل معها كحمل يجب التخلص منه، بل كمفتاح لعبور بوابة جديدة. بدلاً من أن ترد مباشرةً، تُدير ذلك الحوار الصغير ببراعة: “هل يمكن أن تُخبرني أولاً ما الذي يخطر ببالك؟”. في هذا السؤال البسيط كل السحر… إنها تبني جسراً بين فضوله وثقته بنفسه.
الأروع أنها تترك له مساحة للتفكير الخاطئ أيضاً. حين أجاب مرةً: “الطيور تحمل المطر على أجنحتها!”، لم تُصححه بعصبية بل قالت: “واوا، هذه فكرة مبدعة! دعنا نبحث معاً كيف يسقط المطر حقاً؟”. هل جربتِ هذا الأسلوب مع طفلكِ؟ ما الذي حدث؟
أن تكون المُرشد لا الحكم، هذه هي المعادلة الأصعب التي تتقنها بكل هدوء.
الشاشة الباردة التي تحولت إلى نافذة دافئة

كأب في عصر التكنولوجيا، كانت تُراودني مخاوف كثيرة. لكني تعلمت منها أن الجهاز ليس عدواً إذا حوّلناه إلى حليف. ذات يوم كان الابن الصغير يلعب لعبة إلكترونية بعنف، فما كان منها إلا أن جلست بجانبه وقالت: “هل تسمح لي بالمشاركة؟ أريد أن أفكر معك: كيف يمكن لهذا البطل أن يحل المشكلة دون قتال؟”. تحولت الجلسة إلى نقاش عن حل النزاعات بلغة الحوار.
الآن أصبحنا نستخدم التابلت كخريطة كنوز: نبحث عن أسرار المحيطات، نترجم أصوات الحيوانات، نرسم خريطة النجوم. المهم ألا تكون الشاشة بديلاً عن أحضاننا، بل أداة نمد منها جسوراً إلى العالم. وهذه الحكمة نفسها تنطبق على كيفية تعاملنا مع قيمتنا الأسرية؛ فكما نجعل التكنولوجيا أداة للتعلم، نجعل من قيمنا أداة للنمو. وهذا بالضبط ما تفعله بطلتنا الصامتة كل يوم.
كيف تحمي شغف الاكتشاف دون إهمال بوصلة القيم؟

هنا تكمن المعادلة الصعبة: تشجيع الفضول مع الحفاظ على التقاليد. كم مرة رأيتها تُجيب على سؤال محرج عن الدين أو الحياة بطريقة تحترم فضوله وقيمنا معاً؟ مثل يوم سألها: “لماذا لا نأكل في نهار رمضان؟”، فابتسمت وقالت: “سأخبرك سراً جميلاً… الصيام مثل تمرين للقلب كي يتذكر من يحتاجون لمساعدتنا. هل تريد أن نجرب فكرة جميلة لنساعد جيراننا هذا الشهر؟”. حوّلت اللحظة من درس وعظي إلى تجربة إنسانية. كما يقول المثل العربي القديم: “السائل يُحْفَظُ، الجاهل يُذَمُ”، فإجاباتنا على أسئلة أطفالنا تبني جسرًا نحو مستواهم المعرفي.
هذا هو التوازن الذي يتطلب حكمة ملكة: عندما تسمح له بتجربة خلط الألوان بحرية على الورق، لكن تذكره بلطف أن يرتب أدواته بعد الانتهاء. تشجيع الإبداع لا يتعارض مع تعليم المسؤولية، هذا ما تثبته كل صباح.
هذه مغامرتك أيضاً… فاستمتعوا بالرحلة معاً

لا تنسى أن تنمي فضولك أنت أيضاً كأم أو أب. أحياناً أراها تطرح عليه أسئلة من العدم: “ما رأيك لو كانت السحب حلوى قطن عملاقة؟”، فينفجران في ضحكات ثم يبدآن رحلة تخيلية لا تنتهي. الفضول المُعدي هو أقوى درس نقدمه لأطفالنا.
تلك اللحظات البسيطة تبقى في الذاكرة أكثر من أي لعبة باهظة: البحث عن أشكال السحب، تذوق التوابل معاً، صنع قارب من أوراق الشجر. لا يتطلب الأمر أكثر من قلب منفتح وعينين ترىان العالم كطفل للمرة الألف. وهنا تكمن قوتك الخفية التي لا تحتاج إلى شهادات… قوة تُبنى بكل رحلة استكشافية صغيرة، بكل سؤال يُطرح بفضول، وبكل ضحكة تُشعرنا بأننا على الطريق الصحيح. ابدأ اليوم، واطلق العنان لفضولك الخاص، وسوف ترى كيف ينتقل هذا الشغف إلى طفلك كهدية ثمينة لا تقدر بثمن.
المصدر: Edmonton firms join forces on AI tool to speed up Canadian policy work, Digital Journal, 2025-09-15.
