
هل لاحظتم تشابهًا بين نمو أطفالنا وتطور الذكاء الاصطناعي؟ كابنتي التي تبدأ باكتشاف العالم بخطواتٍ مترددة ثم تتحول إلى عالم من الأسئلة. هكذا تقنيات الذكاء الاصطناعي تشهد قفزاتٍ مدهشة. خبر استثمار جوجل 6.8 مليار دولار في المملكة المتحدة ليس حدثًا اقتصاديًّا فحسب، بل جرس إنذار لنا: كيف نستثمر الآباء بأمان في مستقبل أطفالنا مع الحفاظ على براءتهم؟
الاقتصاد الرقمي ينمو… وماذا عن اقتصاد العائلة الإنساني؟

عندما أعلنت جوجل عن خطتها لإنشاء مركز بيانات جديد في المملكة المتحدة بالشراكة مع شل، مع وعد بخلق آلاف الوظائف ورفع الاقتصاد بمئات المليارات، تذكرت فورًا كيف كانت جدتي تقول: \”كل جنيه تستثمره في تعليم الطفل يعود بعشرة أضعاف\”. الأرقام الضخمة التي تتحدث عنها التقارير الاقتصادية (رفع الناتج المحلّي 11% بحلول 2050) تذكرنا بأن استثمار الدول في التقنيات الجديدة يشبه استثمارنا في أطفالنا: يحتاج صبرًا ورؤية طويلة المدى.
هذا هو الاستثمار الآمن في تربية الأطفال.
ولكن بينما تبني الشركات العملاقة مراكز البيانات، علينا نحن الآباء بناء مراكز \”الدفء الإنساني\” في بيوتنا. عندما تقول الأبحاث إن الذكاء الاصطناعي قد يوفر 30% من الوقت في القطاعات المالية، أسأل نفسي: كيف يمكنني توظيف هذه الـ 30% المُدّخرة لقضاء وقتٍ أكثر جودة مع ابنتي في الحديقة العامة القريبة؟ وكيف نضمن ألا تتحول \”الإنتاجية\” التي تعد بها التقنيات الجديدة إلى استنزاف لطاقات أطفالنا في سباقٍ محموم؟
الفجوة الحقيقية ليست بين الدول في تبني الذكاء الاصطناعي، بل بين من يستخدمونه لتعزيز الإنسانية ومن يضحّون بها على مذبح التكنولوجيا. كم نحتاج لتذكير أنفسنا بأن أهم \”بنية تحتية\” نستثمر فيها هي القيم الإنسانية التي نبثها في أطفالنا؟
كيف نضمن استدامة براءة الطفولة في عصر الذكاء الاصطناعي؟

شيءٌ يثلج الصدر في خبر استثمار جوجل هو تركيزه على الاستدامة البيئية عبر شراكة مع شل. هذه النظرة المستقبلية تذكرني برحلات العائلة إلى الغابات، حيث أشرح لابنتي كيف أن شجرة السنديان الصغيرة التي نزرعها اليوم قد تصبح ظلًا لمن سيأتي بعدنا. الاستثمار الآمن في براءة الطفولة هو استثمار في الإنسانية. لكن ماذا عن استدامة براءة الطفولة في عصر الذكاء الاصطناعي؟
في بحثي اليومي عن توازن بين التكنولوجيا والتربية، اكتشفت مفارقة عجيبة: بينما تسعى المراكز البحثية لإنشاء \”حاسوب خارق\” بعدد مهول من المعالجات (23 ألف معالج كما ذكر الخبر)، يحتاج أطفالنا معالجات قلبية أكثر من معالجات إلكترونية! أليست الضحكات الطفولية التي تتردد في حديقة الحيوان المحلية بمثابة \”بيانات\” ثمينة نحتاج لحفظها من الاستنزاف؟
قول الخبراء إن تأخير تبني الذكاء الاصطناعي قد يكلف المملكة المتحدة 150 مليار جنيه بحلول 2035 يدفعني للتساؤل: ماذا قد يكلفنا تسرعنا في تعريض أطفالنا لتجارب رقمية غير مناسبة لسنهم؟
أين التوازن بين الاستفادة من الإمكانات التعليمية للذكاء الاصطناعي، وحماية مساحات اللعب التقليدية التي تُشيِّد شخصياتهم؟
التعليم بين الكتب والذكاء الاصطناعي: كيف نحافظ على اللعب التقليدي؟

تصريح ديميس هاسابيس (مدير جوجل ديب مايند) عن تاريخ بريطانيا الابتكاري الذي يضم شخصيات مثل آدا لافليس وآلان تورينج، أعادني بذاكرتي إلى يوم شرحت فيه لابنتي كيف أن مخترعي الحواسيب الأوائل كانوا يحلمون بعالم أفضل. اليوم، بينما أصبحت الحواسيب قادرة على كتابة شعر وابتكار فنون، نسأل أنفسنا: أين موقع الإنسان في هذه المعادلة؟
عندما أستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي التعليمية مع ابنتي، أحرص أن تكون مجرد \”مساعد\” يفتح أبوابًا للاستكشاف، لا \”بديلًا\” عن الفضول الطبيعي. كتلك اللعبة التي نحول فيها جهاز التحكم عن بعد إلى مركبة فضائية خيالية – التكنولوجيا تكون أفضل أدواتنا عندما تحفّز خيال الأطفال، لا عندما تقيده. الاستثمار الآمن في التعليم يضمن توازن النمو.
سمعتوا الأبحاث تقول إن الذكاء الاصطناعي بيزود الإنتاجية 30% في القطاعات المالية؟ هذا يطرح علينا نحن الآباء تحديًا: كيف نضمن أن أطفالنا لن يصبحوا مجرد \”وحدات إنتاج\” في نظام تكنولوجي معقد؟ الجواب قد يكون في التربية المتوازنة التي تجعلهم سادة التكنولوجيا لا عبيدًا لها.
ما شراكتك مع طفلك في ظل استثمارات الذكاء الاصطناعي؟

العنصر الأكثر إلهامًا في الخبر هو الحديث عن \”عقد الرخاء التكنولوجي\” بين بريطانيا وأمريكا، برؤية مشتركة لقيادة الابتكار العالمي. هذا يذكرنا بأن أسمى أشكال الاستثمار قائم على الشراكة الحقيقية – تمامًا كالشراكة بين الآباء والأبناء في رحلة التربية.
الاستثمار الواعي في نمو الطفل هو واجب الآباء.
عندما تعلن جوجل عن مركز جديد في هرتفوردشاير، أو عندما تستثمر مايكروسوفت في نموذج \”ستارغيت UK\”، أفكر في \”المراكز التنموية\” الصغيرة التي ننشئها في بيوتنا: ركن القراءة المفضل، طاولة الرسم المليئة بالألوان، أو حوض الزراعة الذي نراقب معًا نمو بذور الفول. هذه ليست أقل أهمية من مراكز البيانات العملاقة، بل هي البنية التحتية الحقيقية لمجتمعات إنسانية متوازنة.
تصريح المسؤولين البريطانيين بأن هذه الاستثمارات \”ستخلق آلاف الوظائف\” يثير في نفسي سؤالًا أبويًا أكثر عمقًا: أي نوع من الوظائف نريد لأطفالنا؟ تلك التي تحترم إنسانيتهم، أم التي تحولهم إلى تروس في آلة إنتاجية متوحشة؟ ربما الجواب يكمن في زراعة القيم الإنسانية اليوم، ليكونوا هم القادة الذين يصنعون عالم الغد.
المصدر: Google Reveals $6.8 Billion UK AI Drive As Trump Lands For High-Stakes Talks, Benzinga, 2025-09-16
