
ذهبت ابنتي البارحة إلى سريرها محملةً بأسئلة أكبر من عمرها بعد أن سمعت حديثاً عن الروبوتات التي ‘ستأخذ وظائف الناس’. نظرت إليّ بعينين واسعتين تسأل: ‘بابا، هل سيكون هناك مكان لي عندما أكبر؟’. في تلك اللحظة، استحضرت تحذيرات جيفري هينتون الشهيرة عن اضطرابات الذكاء الاصطناعي الاقتصادية، لكني أيضاً تذكرت قوة الحب البشري الذي لا تقدر الآلات على محاكاته. كيف يمكننا كأهل أن نعد أطفالنا لمستقبل الذكاء الاصطناعي هذا؟ فلنبدأ رحلتنا لنفهم معاً كيف نحول التحديات إلى فرص لأطفالنا!
ما هي تحذيرات الخبراء حول الذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل؟
لنكن صادقين مع أنفسنا – التغيير قادم سواء أعجبنا ذلك أم لا. جيفري هينتون، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، لا ينبّهنا عبثاً.
تقارير صندوق النقد الدولي تؤكد أن 50-70% من التغييرات في الأجور منذ 1980 مرتبطة بالتقنية! لكن هناك جانب آخر يجب أن نأخذه في الاعتبار… الخطر الحقيقي ليس في فقدان الوظائف فقط، بل في اتساع الفجوة بين من يملكون المعرفة ومن لا يملكونها في هذا العصر الرقمي المتسارع.

تخيلوا معي، جيل كامل من الخريجين الشباب يبحثون عن فرص العمل الأولى، فيجدون الروبوتات قد سبقتهم إليها! هذا ليس خيالاً علمياً بل واقعاً بدأنا نرى بوادره مع تطور الذكاء الاصطناعي.
دراسة حديثة لبنك ‘نيويورك’ الفيدرالي تشير إلى أن الشركات بدأت تقلص التوظيف للوظائف الروتينية لمصلحة الذكاء الاصطناعي.
كيف نعد أطفالنا لمستقبل الذكاء الاصطناعي بمهارات جديدة؟
هذه التكنولوجيا نفسها التي نخاف منها يمكن أن تكون أداة قوية إذا استخدمناها بحكمة!
هنا تكمن المفارقة العظيمة: إليكم طرق عملية نتّبعها في عائلتنا الصغيرة:
زراعة الفضول المُبدع: عندما نلعب معاً بتطبيقات تعليمية تفاعلية، لا نركّز على الإجابات الصحيحة بل على الأسئلة غير التقليدية. ‘ماذا لو حاولنا حل هذه المشكلة بطريقة مختلفة؟’ – هذه الجملة أصبحت شعارنا المنزلي!
مهارات المستقبل من اللعب اليومي: عندما تلعب ابنتي مع أصدقائها، تتعلم مهارات التفاوض والإدارة، وهي مهارات لن تستطيع الروبوتات مجاراتها بسهولة.
الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس عدواً بل مساعداً. استخدمنا مؤخراً أداة تحوّل رسومات الأطفال إلى قصص مصورة، فتعلّمت أن التكنولوجيا تُعزز الإبداع لا تُحدده.
كيف نحول قلق الذكاء الاصطناعي إلى أمل وفرص لأطفالنا؟
تذكّر يوم تعلمت ركوب الدراجة؟ الخوف من السقوط لم يمنعك من المحاولة! التحديات التقنية تشبه هذه الدراجة – يجب أن نتقن التوازن بين التحذير والحماس.

دراسة من ‘بروكينغز’ تظهر أن 46% من الشباب الأمريكي يتوقعون أن يحل الذكاء الاصطناعي محل وظائفهم خلال 5 سنوات! لكننا كأهل يمكننا أن نرسم مستقبل أطفالنا بشكل مختلف:
– تحويل النقاش من ‘الخسارة’ إلى ‘الاكتساب’: الذكاء الاصطناعي سيخلق وظائف جديدة لم نسمع عنها بعد!
– تعليم الأطفال أن قيمة الإنسان لا تُحدد بما ينتج بل بما يبتكر من حلول وعلاقات إنسانية
– استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم لتنمية المهارات الناعمة كالتعاطف والعمل الجماعي
أهمية بناء مجتمعات داعمة لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي
نحن لسنا جزراً معزولة! أجمل ما في ثقافتنا العربية هو تكاتف الأسر والمجتمعات. فلنتخيل معاً:
• نوادي الأحياء حيث يتعلم الكبار والصغار معاً برمجة بسيطة عبر ألعاب تفاعلية لتعزيز مهاراتهم الرقمية
• جمعيات الأسر التي تتبادل الخبرات عن أدوات الذكاء الاصطناعي الآمنة للأطفال
• حوار بين الأجيال حيث يستفيد الشباب من حكمة الكبار، والكبار من جرأة الشباب على الابتكار
كما يقول المثل العربي: ‘اليد الواحدة لا تصفّق’ – مواجهة تحولات العصر تتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع لمستقبل أفضل!
كيف نوجه أطفالنا بالبوصلة الأخلاقية في عصر الذكاء الاصطناعي؟
أخيراً وليس آخراً، لنتذكر أن التكنولوجيا كالسكين – تستخدم في الجراحة أو الجريمة. دورنا كأهل أن نغرس في أطفالنا:
• البوصلة الأخلاقية: مَحبة الخير ومساعدة الآخرين تبقى أعظم ‘تقنية’ بشرية
• التواضع المعرفي: حتى أعظم العقول التقنية مثل هينتون يعترفون بحدود معرفتنا
• النظرة الشمولية: الذكاء الاصطناعي في التعليم يجب أن يعزز إنسانيتنا لا أن ينافسها
في نهاية يومنا، بينما أراقب ابنتي تخلط ألوانها بحماس، أدرك أن براءتها وإبداعها هما درعنا السري ضد أي تقنية في عصر الذكاء الاصطناعي! المهم أن نكون قدوة في التوازن بين الانفتاح على الجديد والتمسك بجوهر إنسانيتنا.
المصدر: Geoffrey Hinton: Society Is Unprepared For AI’s Economic Disruption, Forbes, 2025-09-16
