
تذكرون تلك اللحظة عندما كان طفلكم الصغير يتعلم ركوب الدراجة للمرة الأولى؟ كنتم تتمسكون بمقعد الدراجة خوفًا من سقوطه، ولكنكم تعلمون أن التمسك الزائد سيمنعه من اكتشاف توازنه الخاص. اليوم، في خضم تحولات سوق العمل، يجد الكثير منا أنفسنا نمارس نفس النوع من الحماية المفرطة تجاه وظائفنا – ظاهرة تُعرف باسم ‘التمسك الوظيفي’. كم والدٍ يشعر بهذا التوتر بين الرغبة في الاستقرار من أجل العائلة والخوف من أن يصبح هذا الاستقرار قفصًا يحدّ من نموه وتطوره؟ دعونا نستكشف هذا المعنى العميق الذي قد يُعيد تعريف مفهومنا للأمان الوظيفي في عصر يتسم بالتغير السريع.
هل التمسك الوظيفي حل مؤقت أم قيد على نمونا المهني؟

عندما نقارن حالة ‘التمسك الوظيفي’ برحلة عائلية، قد نجد تشابهًا مثيرًا للاهتمام. تخيلوا أنكم تخططون لرحلة برية مع العائلة وتواجهون عاصفة مفاجئة. الخيار الآمن هو البقاء في السيارة حتى تمر العاصفة، وهذا بالضبط ما يفعله العديد من الموظفين اليوم – البقاء في ‘السيارة الوظيفية’ خوفًا من عواصف سوق العمل المتقلب، وهو ما يجسد مفهوم التمسك الوظيفي.
لكن ماذا يحدث عندما تطول العاصفة؟ الأبحاث تشير إلى أن 51% من العاملين يشعرون بركود وظيفي، وهذا الشعور يشبه عندما تتحول المغامرة إلى انتظار طويل. أليست براءة الأطفال هي التي تذكرنا بأهمية المبادرة حتى في الأوقات الصعبة؟
مستقبل العمل: كيف يشكل الخوف من التكنولوجيا قراراتنا؟

في عالم يتغير بسرعة، أصبح الخوف من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا أحد أسباب التمسك بالوظائف الحالية. تشير الدراسات إلى أن 77% من المتمسكين بوظائفهم قلقون من تأثير الذكاء الاصطناعي على فرص العمل المستقبلية. هذا الخوف يشبه قلقنا عندما نرى أطفالنا يستخدمون الأجهزة الذكية لأول مرة – نريد حمايتهم، لكننا نعلم أن العزلة عن التكنولوجيا ليست الحل.
الأمر يتعلق بالتوازن – مثلما نعلم أولادنا استخدام التكنولوجيا بحكمة، يمكننا تطوير المهارات الوظيفية أثناء العمل دون الحاجة لمغادرة وظائفنا فورًا، مما يعزز المرونة الوظيفية لدينا. هذه المرونة هي هديتنا الأكثر قيمة لأبنائنا في عصر الذكاء الاصطناعي.
تطوير المهارات: استراتيجيات للنمو داخل بيئة العمل الحالية

إليكم السر الذي تعلمته من مشاهدة طفلتي تتعلم السباحة: لا يحتاج المرء إلى القفز في المياه العميقة فورًا ليتعلم العوم. يمكن البدء من حافة المسبح. نفس المبدأ ينطبق على التطور الوظيفي. وفقًا للخبراء، يمكن تطبيق ما يُسمى ‘التحول في المكان’ – أي البحث عن فرص النمو داخل المؤسسة نفسها.
ولكن كيف يمكننا التغلب على هذا الخوف وتطوير مهاراتنا في الوقت نفسه؟ هناك أربع استراتيجيات يمكن تطبيقها كعائلة: التدريب العائلي، خرائط المهارات، تبادل الخبرات، والتجارب المصغرة. هذه الاستراتيجيات تحول الخوف إلى فرصة للنمو المشترك!
النجاح الوظيفي في عصرنا لم يعد مسارًا مستقيمًا، بل أشبه برحلة عائلية مليئة بالمفاجآت – جوهر الرحلة يبقى في اكتشافنا المشترك ومرونتنا في مواجهة التحديات
المرونة الوظيفية: كيف نزرعها في أبنائنا لمواجهة تحديات المستقبل؟
ذات مساء، بينما كنت أساعد طفلتي في حل لغز تركيب صورة، لاحظت شيئًا مثيرًا: كل قطعة خاطئة كانت تُعيد ترتيب الصورة كاملة. هذه هي المرونة الوظيفية التي يحتاجها الجيل القادم في سوق العمل.
في عصر الذكاء الاصطناعي في التعليم، يمكننا زرع هذه المهارات عبر تشجيع حل المشكلات الإبداعي، تعليم تقييم المخاطر المحسوبة، وربط التعلم بأهداف عملية. كل هذه المهارات لا تتعلق فقط بمستقبلهم الوظيفي، بل بتطوير عقلية التكيف التي ستجعلهم روادًا في مستقبل العمل في أي مجال يختارونه.
الخاتمة: التوازن بين الأمان الوظيفي والتحرر من القيود
في نهاية يوم طويل، بينما أشاهد طفلتي تنام وهي تحتضن دبدوبها المفضل، أتذكر أن الحضن الدافئ يحمي ويطمئن، لكنه لا يمنعها من النهوض صباحًا لاكتشاف العالم. هكذا يجب أن تكون علاقتنا بوظائفنا: مصدر أمان يمنحنا القوة للمضي قدمًا، لا قيدًا يحدّ من إمكاناتنا.
الخيار ليس بين التمسك بالوظيفة أو المغامرة المجهولة، بل في كيف نجعل من وظائفنا الحالية منصة للإقلاع نحو آفاق جديدة، مثل تعلم مهارات جديدة أو البحث عن فرص داخل المؤسسة. ماذا لو نظرنا إلى تحديات سوق العمل كفرصة لتعليم أبنائنا أهم درس في الحياة: فن النهوض بعد السقوط، والتطور رغم الظروف؟
المصدر: How Job Hugging Could Affect Your Career Long Term, Forbes, 2025-09-16
