
أحيانًا، بينما أغسل أسناني، أسمع في النشرة المسائية أن الذكاء الاصطناعي يُنجز مئات الرسوم المعقدة بينما طفلي يغسل أسنانه. لكن اليوم، حين أطلعتني ابنتي على الزهرة المتلعثمة التي رسمتها بيدها المرتعشة، شعرت بدمعٍ يختنق في عيني.
ذلك الساق المكسور أصدق ألف صورة مولدة آليًّا. أعتقد أن كل والد مر بهذه اللحظة — عندما تقول والدة مُنهَكة \”جميلة\”, وتلمع عيني طفلتها فجأةً — هنا تكمن الحقيقة.
لا نتحدث عن نصائح جاهزة، بل عن حكايات تشبه تلك التي نتبادلها نحن الآباء والأمهات عند تحضير العشاء. لنتشارك كيف نحيط أطفالنا بكنف الإبداع في زمن يملؤه الذكاء الاصطناعي.
الهِمَم التي لا تُضاهيها سرعة الآلة

في إحدى الليالي، رأت ابنتي قطةً مرسومة على كرتون تغليف التمر، فقررت تحويله إلى سفينة فضائية. خدشت إصبعها بالمقص، لكنها لم تبكِ.
دفعت الألم جانباً قائلة: \”هكذا تصبح السفينة حقيقية!\”, وبدأت تلصق الشريط اللاصق على الجرح قبل أن تستأنف العمل. في تلك اللحظة، تذكرت جدال الناس عن الذكاء الاصطناعي الذي \”يُنتج\” بسرعة فائقة. لكن الذي لا يفهمه الخبراء هو أن ابنك لا يمارس \”الإنجاز\”، بل يعيش رحلة البحث عن الجمال في كل خدشٍ وارتجافٍ.
لست الوحيد الذي يرى أن الرسمة المبعثرة على الورقة خيرٌ من أي ناتج آلي. حين يبني طفلك برجاً من علب البسكويت ويتدمر مراراً، فإن خلايا عقله ترسم خرائط جديدة لا تقل ذهباً عن الابتكارات الكونية. الأم المُتعبة من العمل تسأل برفق: \”هل نحاول مرة أخرى؟\”, لتتحول كل محاولة فاشلة إلى كنزٍ من الفخر. هذا السحر لا يُقلد. هل سمعت يوماً أن رسمةً باليد تسببت في ضحكةٍ حقيقيةٍ تذوب بها هموم يومٍ طويل؟ لا تنتظر الإجابات في إحصائيات المستقبل.
ولكن الذكاء الاصطناعي ليس صديقاً ولا عدواً — هو مرآة تعكس قدرتنا على خلق الجمال.
التكنولوجيا مرآةٌ لا قلبٌ

لاحظتُ أن أطفالنا يصنعون ألعاباً من أشياء بسيطة: علب الكرتون تحولها خيالاتهم إلى قصورٍ أو مركبات فضائية. ذات يوم، اقترحت والدتي أن نرسم معاً ديناصوراً باستخدام تطبيق ذكاء اصطناعي، ثم نعيد تصميمه على الورق. فجأةً أصبحت الرسمة وليمةً للفكرة: أضافت ابنتي ثلوجاً فوق ظهر المخلوق، وقالت باقتدار: \”هذا ديناصور صديق للقِطط!\”.
في زحمة المنشآت الحديثة التي توفر أدوات التكنولوجيا، لا ننتبه إلى أن الفرق الحقيقي ليس في الأدوات، بل في السر الذي تأخذه الأم معها من السوق: علبة فارغةٌ تصبح اليوم ميداناً للخيال.
حين تصل الأم إلى البيت بعد يومٍ طويل، لا تبحث عن الصور المثالية على الشاشة، بل عن الورقة المُلقاة على الطاولة التي غطّتها ألوان طفلك. الذكاء الاصطناعي يضع نهايةً، لكن علبة التمر الفارغة تفتح باباً للبدء من جديد. لم أعد أظن أن النجاح يُقاس بإتقان الصورة، بل بضحك الطفلين حين يمسحان عن الأرض بقايا الورق الممزق. تذكّر معي: ألا ترى أن صراخ \”أنا ملك المجرة اليوم!\” في ردهات المنزل أجمل من أي فيلم كرتوني مولّد آلياً؟
إذا سأل طفلك يوماً: \”لماذا لا تستطيعين الرسم مثل الآلة؟\”, أخبره أن والدته لا تستطيع لأنها لا تريد أن تفقد لحظة تمسك يده الصغيرة بقلمها. هذه اللحظة التي تتحول فيها أوراق العمل إلى لوحةٍ مشتركة، هي التي تصنع ذكرياتنا. العالم يتحدث عن مستقبل التكنولوجيا، لكننا نبني مستقبل أطفالنا هنا، بين أيدينا المليئة ببقع الألوان.
الهفوات.. نبض الإبداع الحقيقي

حدث ذات مرة أن ابنتي أخطأت لحن أغنية في العرض المدرسي. عادت إلى البيت باكيةً تتساءل: \”لماذا لا أستطيع مثل الآخرين؟\”. هل مررتِ بهذه اللحظة عندما يخطئ طفلك شيئًا ما…؟ كم أب كوري-كندي، أرى أن هذه المرونة في التفكير تذكرني بالتقاليد الكورية التي تحترم الخطوات الصغيرة في النمو. فجلست والدتها على الأريكة، وبدأت تنقر على زجاج زجاجة ماء كطبول، وأظهرت لها أن اللحن المختلف قد يكون جميلاً.
في تلك اللحظة رأيت من يقود الأسرة حقاً: ليس من يُظهر الكمال، بل من يحوّل الضوضاء إلى موسيقى. الكمال خادع، أما الإبداع الحقيقي فيكمن في شجاعة خلق الجمال وسط الاختلاف.
في الجدار المطل على غرفة الاطفال، ترى والدةٌ الصور الملونة المبعثرة على الحائط كـ\”معرض خاص\”. بقع الألوان على الورقة ليست أخطاءً، بل احتفالٌ بالحركة والحياة. بالأمس، جمعت والدتي أوراق الشجر من الحديقة معاً مع طفلتها وصنعت صورة عائلية. حين قال الصغير: \”أبي وجهه أصفر\”, أضافت الأم بابتسامة: \”طبعاً! هو شمسنا\”. في هذا الدفء، نشعر أن الصور المنقولة عبر الذكاء الاصطناعي تبدو باردة. لا تبحث عن اجابات معقدة: أحياناً هفوة صغيرة تكفي لتذكيرنا بأننا بشر.
عندما تقول والدةٌ: \”أنا لست كافية\”, أذكرها بتلك اللحظة الصباحية: حين أنسكب الحليب فجأةً، حوّلت الأم الموقف إلى لعبة \”غيث الصباح\”, فتحولت الدموع إلى ضحك. الهفوات ليست خللاً، بل إيقاع النمو الطبيعي. بقايا الغراء على القميص الأبيض، واللون الذي يتجاوز الخطوط… كل هذا يشكل لغة عائلتنا المميزة. في النهاية، لا يسأل أحدٌ عن الأخطاء، بل يتذكر دفئها.
Source: Disney and Universal Make Rare Alliance To Face New Challenge, Inside The Magic, 2025/09/16.
