
أتذكر تلك الليلة؟ عندما لاحظتُ نظرتكِ الخاطفة نحو الهواتف على المائدة… حيث كانت عاداتنا العربية تجمع العائلة حوله ليتقاسم الأخبار والأفكار، لكن اليوم تَحُول الشاشات بيننا. لم تكن غاضبة، بل حزينة بعض الشيء.
كنا نستمع لضحكات الأطفال بينما كانت أصابعنا تنساب على الشاشات بلا وعي. في تلك اللحظة، فهمتُ أنّ التوازن بين تكنولوجيا العصر ودفء العائلة يحتاج منا وقفة صادقة.
ليس لرفض التقدم، بل لحماية تلك اللحظات الصغيرة التي تُنسج منها ذكرياتنا الكبيرة.
الصمت الرقمي الذي يسرق منا ضحكات الأطفال
هل تشعر أحياناً أنّ الضوء الأزرق للشاشات يخفت بريق عيون أطفالنا؟ ألا تظن أننا جميعاً نمر بذلك أحياناً؟ لاحظتُ ذلك مراراً… حين يتحول حديث العائلة إلى همسات بينما الجميع منغمس في عالم افتراضي.
ليست المشكلة في التكنولوجيا ذاتها، بل في تلك المساحات التي تسرقها منا دون أن ندري. مثل نهر هادئ، يأخذ معه لحظات من المفترض أن تكون أساساً لعلاقتنا.
الأصعب أننا نشارك في هذا السرقة دون قصد، بإلقاء هاتفنا على الأريكة بجانبنا كضيف ثقيل يتطفل على وقتنا الخاص.
أين تختفي القيم عندما تضيء الشاشات؟
لطالما تساءلتُ: ماذا يحدث لروح العائلة حين تصبح الشاشات الوسيط الوحيد للتواصل؟ رأيتُ شباب اليوم يتحدثون عبر الرسائل بينما يجلسون على نفس الأريكة!
لقد فاتنا أن التواصل المباشر هو ما يبني القيم حقاً… تلك النظرة المليئة بالفخر عندما يروي الطفل قصة بإسهاب، أو ذلك الصمت الذي يسبق الاعتذار الصادق.
هذه التفاصيل لا تنتقل عبر الإيموجيز أو الرسائل الصوتية السريعة.
الساعة الذكية التي نسي صانعوها أهم وظيفة
كل الأدوات الحديثة تحسب لنا الخطوات، تنظم المواعيد، حتى تذكرنا بشرب الماء! ولكن أين تلك الأداة التي تُنبّهنا عندما يحين وقت إطفاء الأجهزة؟
الواقع المؤلم أننا نحن المنبه البشري… أنتِ وأنا. اقترحتُ مرة جدولاً بسيطاً: ساعة واحدة يومياً بدون شاشات، نخصصها فقط للحديث واللعب.
في الأيام الأولى كان الأمر أشبه بسحب سجّاد من تحت الأقدام، ولكن مع الوقت، بدأنا نسمع مجدداً ضحكات كنا نعتقد أنها ضاعت بين الإشعارات.
جُرع التكنولوجيا العلاجية: كيف نتعاطاها بحكمة؟

الحل ليس في المنع الكامل… فذلك سيجعل التكنولوجيا أكثر جذباً كفاكهة محرمة. تعلمتُ منكِ فن الجرعات المُحددة: نشاط رياضي عائلي = وقت شاشة مسائي حسب الاتفاق.
واقترحنا فكرة صندوق الهواتف عند الباب… يحفظ الأجهزة عند دخول البيت كما نحفظ أحذيتنا! بدأ الأطفال بمقاومة الفكرة، لكنهم الآن يتسابقون لسرد أحداث يومهم قبل أن يضيع الوقت.
الأجمل أنني رأيت بريقاً في عيونهم يشبه ما كان لدى جدتهم عندما كانت تحكي لنا حكايات الماضي.
عندما تصبح التكنولوجيا جسراً لا حاجزاً

في إحدى الليالي، وجدتُ ابنتي الصغيرة تشرح لأخيها الصغير خريطة النجوم عبر تطبيق تفاعلي… كان قلبي يرقص فرحاً! هنا أدركتُ أن المشكلة ليست في الأداة، بل في طريقة استخدامنا لها.
ماذا لو حوّلنا وقت الشاشات إلى جلسات استكشاف مشتركة؟ لعبة تعليمية نلعبها معاً، فيلم وثائقي نناقشه بعد المشاهدة، حتى البحث عن وصفة طبخ نُعدها معاً بعد مشاهدتها.
التكنولوجيا هنا لم تكن عدوّاً، بل حافزاً للتواصل.
الذكريات لا تُخزن في السحابة الإلكترونية
ذات مساء، انقطع التيار الكهربائي فجأة… في الظلام الدامس، بدأ الأطفال بسرد القصص من خيالهم. ضحكنا حتى دمعت أعيننا!
لا يمكن لأي تقنية أن تنافس الدفء البشري.
عند الصباح، لم يكن هناك صورة على الإنستقرام تسجل تلك اللحظة، لكنها محفورة في قلوبنا إلى الأبد. ربما هذا هو الدرس الأكبر: التحدي الحقيقي هو كيف نستخدم التقنية لنخلق مزيداً من هذه اللحظات، لا أن نستبدلها بها.
ما هي اللحظة التي ستختارها اليوم لتكون كلياً مع عائلتك بعيداً عن الشاشات؟
Source: Park Chan-wook Sounds Alarm on AI, Pushes Korean Theatrical Revival With Busan Opener ‘No Other Choice’: ‘A Fear We All Share’, Variety, 2025/09/17 08:11:43.
