لماذا لا يخيفني الذكاء الاصطناعي لمستقبل ابنتي؟

أب وطفلته يتفحصان مستقبلًا رقميًا

‘هل ستأكل الروبوتات وظائف الغد؟’ – لا! مستقبل ابنتي أجمل من هذا

في تلك اللحظة الهادئة بعد هدوء الزحام الصباحي، بينما كانت ضحكاتها البريئة تملأ الغرفة من رسوماتها الملونة، فكرت: هل نحن نجهّز أطفالنا حقًّا لعالمٍ يزداد تكنولوجياً؟ تقول الأخبار إن الذكاء الاصطناعي بدأ يخنق فرص العمل في القطاعات المهنية، كقطرة ماءٍ أفقدت توازن الكأس. لكنني – كأبٍ عربي – أرى الصورة بكامل تفاصيلها، ليس خوفًا من المستقبل، بل ثقةً بما يجعلنا بشرًا. هذا ليس تفاؤلًا أعمى، بل رؤيةٌ نمت من قلب حكمتنا الأصيلة: الإنسان دائمًا يخلق طريقه حيث تعتقد الآلات أنه لا يوجد طريق.

ما الذي يخيف الآباء من الذكاء الاصطناعي لمستقبل أطفالهم؟

كم مرة شعرنا جميعًا – نحن الآباء – بضربات القلب السريعة عند خبرٍ عن وظائف تختفي؟ هذا الخبر عن انخفاض التوظيف في الخدمات المهنية بسبب الذكاء الاصطناعي، كأنه ريحٌ باردة نفخَت في صدر كل من يحلم لأطفاله بوظيفةٍ مطمئنة. نتساءل: ماذا لو كبرت ابنتي ولم تجد وظيفةً تناسب ذكاءها؟

في تلك اللحظة، أدركت أن خوفنا من المستقبل ليس سوى انعكاس لقلقنا على مستقبل أطفالنا. في اليوم نفسه، بينما كانت تمسك يدي لتراقب قطرات المطر تنساب على الزجاج، سألتني: ‘أبي، هل الروبوت يستطيع أن يرسم ثلجًا أحمر مثلما أفعل أنا؟’ فانفجر قلبي فرحًا! هذا هو الاختلاف الجذري: ذكاؤها لا يقاس بسرعة الحل، بل بخيالها الذي يحوّل المطر إلى قصص. الخبر يركز على ما قد يُفقد، لكننا ننسى أحيانًا أن الإنسان كان دائمًا يخترع من الرماد. كالسندباد في أسفاره، نتعلم نحن أيضًا أن نبحر في التغيير بدلًا من خوفنا من الأمواج.

طفلة تتفاعل مع التكنولوجيا بفضول وابتسامة

هل الذكاء الاصطناعي رفيق لطفلك أم تهديد؟

أعلم أن هذا قد يبدو غريبًا، لكن… لو رأيتَ ابنتي تضحك وهي تطلب من التطبيق تحويل رسمتها إلى قصة مصورة، لفهمتَ أن التكنولوجيا جسرٌ وليس جدارًا. الخبر يذكر أن الروبوتات تُ Automated المهام، لكنه يغفل أننا – كآباء – لدينا سرٌّ يفوق الذكاء الاصطناعي: نحن نعلم أطفالنا ‘كيف يسألون’، لا مجرد ‘كيف يجيبون’.

في رحلاتنا العائلية إلى الحديقة القريبة، حيث نلتقي بأصدقائها الصغار، أرى الذكاء الاصطناعي يشبه خريطة الجوال: مفيدٌ للوصول، لكنه لا يشعر بفرح اللحظة التي تجري فيها ابنتي عارية القدمين في الماء المتجمع من المطر. الخبراء الذين يتحدثون عن هروب الوظائف، ينسون أن كل ثورة تكنولوجية خلقت فرصًا جديدة. عندما ظهرت السيارات، اختفى سائقو العربات، لكن بُنيت مصانع وطُورت طرق. اليوم، الذكاء الاصطناعي سيحول مدرستي من معلمٍ إلى مُحفّزٍ، وسيجعل وظائف المستقبل أكثر إنسانية: مثل ‘مُصمم تجارب ألعاب تعليمية’ أو ‘مدرب علاقات بشرية’.

الأهم: كيف نزرع في قلوب أطفالنا بذرة الأمان التي لا تهزمها التكنولوجيا؟

ما المهارات التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي استبدالها في طفلك؟

أطفال يلعبون في الخارج ويتعاونون في بناء شيء ما

في الركن المفضل لابنتي بالحديقة، حيث تبني قصورًا من العصي والأوراق، تتعلم دون أن تدري ما لا يُعَلّمه الذكاء الاصطناعي: كيف تتأمل الطبيعة، وتساعد زميلتها التي تعثرت، وتتفاوض لاستعارة اللعبة. هذه المهارات ‘اللامستحيلة’ هي الذهب الحقيقي لسوق العمل:

  • الإبداع (عندما تُحوّل قطعة خشبٍ إلى سفينة)
  • التعاطف (عندما تُهدئ صديقتها المُحْزَنة)
  • المرونة (عندما تكتشف أن القلعة انهارت، فتبتسم وتبدأ من جديد)

الدراسات التي تقرأها وتخاف منها، تقول إن الذكاء الاصطناعي يؤثر على المهام الروتينية، لكنه لا يستطيع استبدال ما في قلوب الأطفال. كأبٍ، بدلًا من تحشيد ابنتي في دروس إضافية، أشجّع فضولها عبر أسئلة بسيطة: ‘ماذا لو طارت الطيور بسرعة روبوت؟’، أو ‘كيف سيشعر روبوتٌ لو لم يلعب مع أحد؟’. هكذا نزرع في مستقبلها جذورًا تقاوم أي عاصفة.

كيف نبدأ اليوم؟ خطواتٌ تُضيء الطريق

لا تنتظر حتى تكبر الصغيرات! ابدأ اليوم من خلال:

  • حوّل اللعب إلى مغامرة معرفية: عندما تبني ابنتك قلعتها، اسأل: ‘هل يستطيع روبوتٌ أن يصمم قلعةً هنا؟ ما المفقود فيه؟’ (الإجابة دائمًا: ‘لا يلعب معي!’)
  • استخدم التكنولوجيا كجسرٍ للإبداع: مع شاشة ذكية، ابحثوا معًا عن طرقٍ يساعد بها الروبوت الفلاحين في السودان – هذا يحوّل الخوف إلى أمل.
  • احتفظوا بلحظات ‘التواصل الإنساني’: في رحلتنا اليومية إلى السوق القريب، حيث نلتقط الفواكه الطازجة، أطلب من ابنتي أن تطلب من البائع أن يختار لي أفضل تفاحة – هذه المحادثة الصغيرة تعلمها ما لا يتعلمه الروبوت: نبرة الصدق في الصوت.

تذكّر: في عمري، خاف أبي من ‘اختفاء وظائف البشر’ مع انتشار الحواسيب! لكن الحواسيب جعلت وظائفنا أروع. الغد ليس نسخةً من اليوم، بل لوحةٌ نرسمها بحب. هناك مرة، كانت ابنتي تملأ ورقة تلوينها بألوان زاهية، فجأة سألتني: ‘أبي، كيف يمكن أن يكون هناك روبوت يملأ الورقة بالألوان؟’ في تلك اللحظة، أدركت أن خيالها لا يقاس بالسرعة، بل بعمق رؤيتها. هذا هو ما يجعلها فريدة، وهذا ما يجعل المستقبل مشرقًا.

طفلة فضولية تتفحص طبيعة بسيطة بعيون مبهورة

كيف نبني مستقبلًا مشرقًا لأطفالنا مع الذكاء الاصطناعي؟

عندما أخرج مع ابنتي من المدرسة – التي لا تبعد سوى دقائق – وأراها تُلوّح لأصدقائها تحت السماء الرمادية، أشعر بأن المستقبل ليس في التقرير الاقتصادي، بل في هذه اللحظة: في ضحكتها التي لا تُسجّلها الشاشات، وفي ثقتها بأن أبًا يمسك يدها سيحميها من أي ريح.

الوظائف المستقبلية لن تُبنى على السرعة فقط، بل على الذكاء الإنساني الذي يصنع الفرق.

فلنكن مثل نخيل الجوار: ثابتين في ترابنا، مفتخرين بأصلنا، لكن أغصاننا ممتدةٌ إلى السماء لالتقاط كل نسيمةٍ جديدة. المستقبل ليس مجالاً نخسره للآلات، بل أرضٌ نزرعها بكل ما فينا من محبة وحكمة. عندما أرى ابنتي تضحك وهي تخلق عالمًا جديدًا من ورق ورصاص، أعرف أن المستقبل في أمان. لأن المستقبل ليس مجرد تقنيات، بل هو أطفالنا الذين سيبنيونه بحب وابتكار.

فلنصلي (أو نتمنى من قلوبنا) أن يشبّ جيلنا ليكون سندًا للبشر، لا مجرد متابعٍ لأوامر الذكاء الاصطناعي. لأن الدنيا بلا ضحكة طفل… لا تستحق أن تُدار حتى بالروبوتات!

المصدر: AI begins to bite: Recruiters attribute a slump in professional services hiring to job automation, Irish Times, 2025/09/22

آخر المقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top