أتذكر تلك الليلة عندما جلستَ وأنا بعد أن نام الصغار، وكوب القهوة بين أيدينا، وتحدثنا عن ذلك السؤال البريء الذي طرحه الصغير أثناء العشاء: “بابا، كيف يعرف الهاتف ما أريد أن أبحث عنه؟”. في عينيه ذلك الفضول النقي الذي جعلني أفكر: كم من الأسئلة التكنولوجية تحمل في طياتها فرصاً لبناء شفافية عائلية؟
الشفافية تبدأ من الأسئلة البسيطة
أراقبك أحياناً وأنت تجيب على أسئلة صغارنا التي لا تنتهي عن التكنولوجيا. ذلك الصبر الذي تمتلكه حين يطلبون معرفة كل شيء: كيف يعمل المساعد الصوتي؟ لماذا يقترح اليوتيوب فيديوهات معينة؟ من يصنع التطبيقات التي يستخدمونها؟
في تلك اللحظات، أرى كيف أن الشفافية الرقمية ليست مجرد مصطلح تقني، بل هي نسيج يومي ننسجه معاً. عندما نشرح لهم كيف تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي بلغة بسيطة، عندما نشاركهم في اختيار إعدادات الخصوصية للعائلة، نحن لا نربّي صغارنا فحسب، بل نربي مستخدمين أذكياء للتكنولوجيا.
التكنولوجيا المفتوحة: أدوات للعائلات الواعية
مثلما نفعل عندما نعدها معاً الكنافة،
أتذكر ضحكتك ذلك المساء عندما حاولت شرح فكرة البيانات المفتوحة للصغيرة باستخدام مثال صنع الكعك! “كل وصفة يمكن للجميع تحسينها”، قلت لها وهي تنظر إليك باهتمام.
في عالم أصبح فيه الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياتنا، أصبح من المهم أن نفهم معاً كيف تعمل هذه الأدوات. عندما نبحث معاً عن معلومات حول كيفية جمع البيانات، أو عندما نشرح للصغار كيف يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في البحث عن المعلومات، نكون قد حوّلنا فضولهم الطبيعي إلى وعي تقني.
بناء ثقة رقمية مع الأطفال
أحياناً وأنا أشاهدك تساعد صغارنا في فهم إعدادات الخصوصية على أجهزتهم، أتأمل في الثقة التي نمنحها لهم عندما نشجعهم على السؤال عن كيفية استخدام بياناتهم.
كم هو جميل أن نرى العالم الرقمي من خلال عيون صغارنا؟ أسئلتهم البريئة تذكرنا بأن الحقوق الرقمية للجميع، وأن الشفافية ليست شيئاً نخافه بل شيئاً نطمح إليه. أليس هذا ما نريده حقاً لأطفالنا؟
عندما نتحدث عن أهمية كلمات المرور، أو عندما نشرح كيف تعمل تقنيات التعرف على الوجه، نكون قد حوّلنا حديثنا العادي إلى درس في المواطنة الرقمية.
رحلة عائلية نحو فهم الذكاء الاصطناعي
عزيزتي، حين أفكر في رحلتنا هذه كعائلة في العصر الرقمي، أرى أن كل سؤال نجيب عليه حول التكنولوجيا، وكل سرية رقمية نحولها إلى شفافية، هو لبنة في بناء ثقة عائلية.
ما يحتاجه أطفالنا ليس أن نكون خبراء في الذكاء الاصطناعي، بل أن نكون قدوة في الرغبة في الفهم والشجاعة في السؤال. عندما نعترف بأننا لا نعرف كل شيء عن التكنولوجيا، ونبحث معاً عن الإجابات، نعلم صغارنا أن المعرفة الرقمية رحلة جماعية.
ها نحن ذا، في رحلتنا العائلية، لا نربي فقط أطفالاً بل نبني جيلاً واعياً تقنياً – جيلاً يشبه الكنز الذي نصنعه معاً كل يوم
ومثلما نرى كل يوم في بيتنا الصغير، التغيير يبدأ بالأسئلة البريئة، وبالحوار المستمر حول التكنولوجيا.
المصدر: Open Knowledge Foundation Priorities for the 2025 OGP, Blog Okfn, 2025/09/29