في إحدى الأمسيات، بينما جلسنا نتحدث بعد أن نام الصغار، كان ذلك السؤال البريء الذي طرحه علينا الصغير ‘دمدمة’ خلال العشاء، فتوقفت للحظة وقلت له: ‘هذا سؤال رائع يا بني! كيف تعتقد أن المساعد الصوتي يعرف كل شيء؟’ وأنتِ تبتسمين في صمت. وفي عينيكِ رأيتِ نفس القلق الذي أشعر به – ذلك الخوف الجميل من عالم سريع يتشكل حول أطفالنا، وخوفنا من أن نكون غير مستعدين لتربيتهم فيه. وأحيانًا أتساءل… هل أسرعنا كثيرًا في تقديم كل هذه التقنيات لهم؟
عالم التقنية: بين السحر والواقع
في لحظات الصمت، وأنا أنظر إلى أطفالي يلعبون مع تلك الأجهزة الصغيرة، كيف أن براءتهم تلتقي بتعقيد لا يدركونه. وكما كنتِ تقولين لي ذات مساء: “إنه سحر بالنسبة لهم، لكننا نعلم أن وراءه علماً ودقة وعملاً شاقاً”.
نظراتكِ أنتِ تشاهدينهم يكتشفون العالم من خلال شاشات صغيرة، ذلك المزيج من الفخر والقلق. الفخر لذكائهم وسرعة تعلمهم، والقلق من أن يصبحوا مجرد مستهلكين لا يفهمون ما وراء التقنية.
وفي تلك اللحظات التي نجلس فيها معاً بعد يوم طويل، نتساءل: كيف نعلمهم أن التنوع التقني والمنافسة الشريفة هي ما تصنع التميز؟ كيف نفسر لهم أن وراء كل تقنية بسيطة يستخدمونها، هناك عالم من الابتكار والمنافسة الذي يجعل حياتنا أفضل؟
بناء وعي تقني متوازن من الصغر
صبركِ يا حبيبتي حين تشرحين للصغير كيف أن الألعاب التي يحبها صنعها أناس يعملون بجد، وكيف أن المنافسة بينهم تجعل الألعاب أفضل. كما نعلم أطفالنا فنون الطهي التقليدية التي تعلمتها من جداتنا، يجب أن نعلمهم أيضًا فنون التعامل مع التقنيات الحديثة التي ستكون جزءًا من مستقبلهم. كم أعجبتُ بطريقتكِ في تحويل درس تقني معقد إلى قصة جميلة يفهمها طفل في الخامسة.
وكما كنا نتحدث دائماً، تعليم الأطفال عن التنوع التقني ليس مجرد حصة علمية، بل هو تربية على التفكير النقدي والقدرة على الاختيار. هو ذلك الهمس الذي نقدمه لهم مع كل لعبة تقنية، مع كل تطبيق جديد يجربونه.
في أحد الأيام، سألني الصغير عن كيفية عمل تطبيق اللعب المفضل لديه. بدلاً من الإجابة المباشرة، قمتُ بتوجيهه للاستفسار بنفسه من خلال كتابة أسئلة بسيطة للبحث عن إجاباتها، فشعرنا بالإنجاز معًا عندما وجد الإجابة معًا.
وأضحك حين أتذكر محاولتنا شرح مفهوم المنافسة التقنية للصغير، وكيف كان الأمر أصعب من إقناعه بأكل الخضار! لكنكِ كما عودتني، استطعتِ تحويله إلى لعبة يفهمها ويستمتع بها.
نحو مستقبل أكثر توازناً لأطفالنا
إن أعظم إرث نتركه لأطفالنا ليس المال أو الأملاك، بل العقلية المتوازنة والقدرة على فهم العالم من حولهم.
في نهاية اليوم، يا حبيبتي، وأنا أراكِ تنامين بجانبهم، أتأمل في هذه الرحلة التي نمشيها معاً. كم من المحظوظ أنني أسيرها بجانبكِ، شريكة تفهم أن تربية أطفال في هذا العصر ليست مجرد تأمين الطعام والملبس، بل هي بناء وعي وإدراك وقدرة على التعامل مع عالم متغير.
إن كل لحظة نقضيها معهم في الحديث عن التقنية، كل سؤال نجيب عليه، كل فضول نغذيه – هو لبنة في بناء مستقبلهم. مستقبل لا يكونون فيه مجرد مستخدمين، بل مبدعين ومساهمين في صنع التقنية.
وأخيراً، كما كنا دائماً نقول لبعضنا: إن أعظم إرث نتركه لأطفالنا ليس المال أو الأملاك، بل العقلية المتوازنة والقدرة على فهم العالم من حولهم. وأنتِ يا من علمتني معنى الشراكة الحقيقية في التربية، أنتِ الشريك الذي يجعل هذه الرحلة الجميلة ممكنة.