
أتذكر تلك الليلة عندما رأيتكِ تقفين أمام سلة المهملات، تحملين علبة بلاستيكية في يد وعلبة زجاجية في الأخرى، وتتساءلين بصوت هامس: ‘أين نضع هذا؟’ لم تكن مجرد سؤال عن إعادة التدوير، بل كانت لحظة من لحظات الوعي الجميل التي تجعلنا ندرك أن حبنا لأطفالنا يتجلى حتى في أصغر خياراتنا اليومية.
الهمس الذي يبدأ من المطبخ

أرى يديكِ كل صباح وأنتِ تعدين الفطور، تختارين الفواكه الموسمية من السوق المحلي، تضعين بقايا الطعام في وعاء الكومبوست بدلاً من سلة المهملات. هذه ليست مجرد عادات، إنها رسائل حب صامتة نرسلها معاً. رسائل تقول: ‘نحن نهتم’.
في تلك اللحظة التي نقرر فيها شراء حقيبة قماش بدلاً من البلاستيك، أو إطفاء الأنوار في الغرف الفارغة، أشعر أننا نكتب قصة مختلفة لأطفالنا. قصة لا تتحدث عن الندرة، بل عن الوفرة في الاهتمام والمسؤولية.
عيون صغيرة تراقبنا وتتعلم

أتذكر يوم جاءنا ابننا الصغير وسأل: ‘لماذا نضع الزجاج في السلة الخضراء والبلاستيك في الزرقاء؟’ في عينيه فضول طفولية جميلة. قلنا له: ‘عشان نساعد الأرض تتنفس أحسن’.
الآن أصبح هو ‘حارس الأنوار’ الصغير، يطوف في المنزل ويذكرنا بإطفاء ما لا نحتاجه. يضحكنا عندما يقول بجدية: ‘الأرض ستغضب إذا أهدرنا الكهرباء’. في هذه اللحظات، أرى كيف تتحول الدروس إلى قيم، والقيم إلى تراث عائلي.
الاستدامة ليست مثالية، بل هي محاولة مستمرة

ليس كل يوم يكون مثالياً. هناك أيام ننسى فيها الكيس القماشي، أو نشتري شيئاً معبأً أكثر من اللازم. ولكننا تعلمنا أن الاستدامة ليست عن الكمال، بل عن النية والاستمرارية.
مثل الحب، تحتاج إلى صبر وتفهم. بعض الأيام ننجح، وأيام أخرى نتعلم.
المهم أننا نحاول معاً، كفريق واحد. فريق عائلي صغير يؤمن أن التغيير يبدأ من البيت، من القرارات الصغيرة التي نتخذها كل يوم.
نور نتركه في الظلام

في النهاية، الاستدامة ليست فقط عن حماية البيئة، بل عن بناء عالم داخلي في بيوتنا، عالم قائم على الوعي والمسؤولية والعطاء. كل خطوة صغيرة نقوم بها هي مثل شمعة نوقدها في الظلام، لا لتضيء طريقنا فقط، بل لتنير الطريق لمن يأتي بعدنا.
عندما أرى عيون أطفالنا وهم يتعلمون هذه القيم، أعلم أننا لا نترك لهم كوكباً أفضل فقط، بل نترك لأطفالنا قيماً تجعلهم بشراً أفضل. وهذا ربما هو أجمل إرث نمكن أن نمنحهم إياه.
المصدر: 2025 Forbes Sustainability Leaders Summit, Forbes, 2025-09-29
