
أتذكر تلك الليلة يا حبيبتي، عندما استيقظت لأجدكِ جالسة بجانب سرير الطفل الصغير، تراقبينه وهو ينام بسلام. على الطاولة بجانبكِ، شاشة الجهاز اللوحي لا تزال مضيئة بتطبيق تعليمي استخدمه خلال النهار. نظرتِ إليّ وقالتِ بهمس خافت: “أتساءل كيف سيبدو العالم الرقمي الذي سيكبر فيه؟ ومن سيبقيه آمناً له؟”. في تلك اللحظة، أدركتُ أننا لسنا مجرد مستهلكين لهذا العالم، بل شركاء في بنائه مع بعض.
البنية التحتية التي لا نراها.. ولكن أطفالنا يعيشون عليها

أراقبكِ أحياناً وأنتِ تساعدين الصغير في استخدام تطبيقه التعليمي المفضل. أرى كيف تشرحين له بأسلوبكِ اللطيف كيف يعمل، ولكنني أعرف أن ما لا نراه هو الأهم. الأسطر البرمجية اللي كتبها ناس ما نعرفهم، تصديقين؟ تلك الخوادم التي تعمل في أماكن بعيدة، كلها تعمل معاً لتحقيق لحظة فرح على وجه طفلنا.
أتذكر مرة قلتِ لي، تصديقين؟ “يشعرني هذا بالامتنان، أن هناك أناساً يبذلون جهدهم ليصنعوا شيئاً جميلاً لأطفال لا يعرفونهم”. في هذه الكلمات، رأيتُ جوهر الأبوة الجماعية التي نعيشها في هذا العصر الرقمي.
شراكتنا الخفية في بناء المستقبل

في تلك الأمسيات عندما نختار معاً التطبيقات التي سيستخدمها الأطفال، لا ندرك أننا نشارك في شيء أكبر. أنتِ دائماً تقترحين التطبيقات التي تدعم المطورين المستقلين، وتقولين: “دعنا ندعم من يبني بقلب”. تعرفين؟ هذه الرؤية، يا من ترين الخير في التفاصيل الصغيرة، هي ما يجعلنا شركاء حقيقيين في تشكيل هذا العالم.
حتى في طريقة تعاملك مع التقنيات، هناك درسٌ تعلمينه لأطفالنا دون كلمات. حين ترين ابنتنا الكبرى تحاول تعديل إعدادات تطبيقها المفضل، تقولين لها: “هذا جميل، ولكن تذكري أن هناك من عمل بجد لصنع هذا لكِ”. في هذه اللحظات، أرى كيف نغرس معاً قيماً ستستمر معهم طوال الحياة.
قوة العطاء التي نعلمها لأطفالنا

أتذكر تلك المساءلة التي دارت بيننا عندما رأينا الطفل الأوسط يشارك أخته في لعبة رقمية. قلتِ لي: “انظر كيف يتعلم المشاركة بشكل طبيعي”. تعرفين؟ ثم أضفتِ بابتسامة: “ربما علينا أن نعلمه أن المبرمجين أيضاً يتشاركون الأكواد البرمجية كما يتشارك الأطفال الألعاب”.
في هذه النكتة البسيطة، رأيتُ حكمتكِ العميقة في فهم العالم. أنتِ لا ترين التكنولوجيا كأداة فقط، بل كمجتمع إنساني يعمل معاً.
وهذه الرؤية، يا من ترين الجمال في التعقيد، هي ما يجعل أطفالنا ينشؤون بفهم أعمق لهذا العالم المتشابك.
وهذا يقودنا إلى
الهدية التي نقدمها معاً للأجيال القادمة
في نهاية اليوم، عندما نجلس معاً لنرى الأطفال وهم يلعبون، أعلم أننا لا نبني ذكرياتهم فقط.
بل نشارك في بناء العالم الذي سيرثونه.
أنتِ، برؤيتكِ الثاقبة وقلبكِ الكبير، تذكرينني دائماً أن كل اختيار نقوم به اليوم هو لبنة في مستقبلهم.
اليوم، عندما أرى الصغير يحاول ‘إصلاح’ تطبيقه المفضل، أعلم أننا نعلمه أكثر من مجرد استخدام التكنولوجيا.
نعلمه المسؤولية، والامتنان، والمشاركة.
وهذه، يا شريكة حياتي، هي أعظم هدية يمكن أن نقدمها معاً لأطفالنا.
المصدر: Mike Milinkovich: Businesses built on open infrastructure have a responsibility to sustain it, Eclipse Foundation, 2025/09/23
