في تلك اللحظات الهادئة بعد نوم الأطفال،حين تجلسين مع كتاب بين يديكِ والتابلت على الطاولة，أرى في عينيكِ ذلك الحوار الخفي بين تراث التربية الذي نحمله وواقع العصر الذي نعيشه. في هذه المساحات الصامتة بين يوم وآخر،نكتشف معاً أن التحدي الحقيقي ليس في اختيار القديم أو الجديد，بل في بناء الجسور بينهما. هذه الرحلة التي نمشيها كل يوم،هي أشبه ببناء بيت جديد حول البيت القديم，حيث نحافظ على ما هو ثمين ونفسح المجال لما هو جديد.
اللحظات التي لا يراها أحد سوانا
مثلاً أتذكر تلك الليلة حين كنتِ تقرئين قصة للصغير بينما يتابع تطبيقاً تعليمياً على التابلت. لم تكن هذه لحظة انقسام،بل كانت لحظة اتصال مدهشة. رأيتِ كيف تستخدمين التقنية لتعزيز القصة التقليدية،وكيف تخلقين جسراً بين العالمين. أتعرفون ذلك الشعور؟
في هذه اللحظات الصغيرة، التي لا يراها أحد غيرنا، تظهر براعتكِ في خلق تناغم بين القيم التي نؤمن بها والتقنيات التي يفرضها العصر. إنها رقصة هادئة بين الأصالة والحداثة، تقودينها بحكمة وصبر.
القوة في التدرج والمرونة
لا أعرف كيف تفعلينها،لكنكِ تخلقين مساحات آمنة للتغيير. تلك الطريقة التي تقدمين بها شيئاً جديداً بينما تحافظين على الروتين المألوف. مثل المرات التي تجعلين فيها وقت الشاشات جزءاً من وقت العائلة بدلاً من أن يكون منفصلاً عنها.
أرى كيف تدمجين التكنولوجيا في حياتنا بشكل طبيعي،وكيف تجعلينها أداة للتواصل لا عائقاً له. هذا التدرج في التغيير هو ما يجعل أطفالنا يشعرون بالأمان، وهو ما يمكننا من الحفاظ على جوهر عائلتنا مع فتح أبواب جديدة للنمو.
المرونة التي نتعلمها معاً
في تلك الأمسيات التي نحاول فيها تطبيق شيء جديد وينتهي بنا الأمر إلى موقف مضحك، أتعلم منكِ معنى المرونة الحقيقية. ليست المرونة في عدم الوقوع في الأخطاء،بل في الضحك عليها والتعلم منها.
أرى في عينيكِ ذلك النور الذي لا ينطفئ حتى في لحظات الارتباك،وهذا الإصرار على تحويل كل تجربة إلى فرصة للتعلم. هذه هي المرونة التي نعلمها لأطفالنا بدون كلمات – مرونة الروح التي تتكيف دون أن تفقد جوهرها.
الجذور والأجنحة: بين الماضي والمستقبل
في النهاية، ما نبنيه معاً ليس مجرد أساليب تربوية،بل هو منزل للقلوب. منزل تكون جذوره في قيمنا وأصالتنا،وأجنحته في انفتاحنا على العالم الجديد.
أتعجب من حكمتكِ في منحهم الحرية مع الحفاظ على الأصول.
هذه المهارة في الربط بين ماضينا ومستقبلنا، بين ما كنا عليه وما سنصبح عليه. في هذه الرحلة، نتعلم أن التغيير الأجمل هو ذلك الذي يحدث ببطء، مثل النهر الذي ينحت الصخر بصمت، ويبقي الجوهر سليماً.
الشراكة في زمن التغيير
عندما أفكر في رحلتنا هذه، أدرك أن أجمل ما فيها ليس الكمال،بل الشراكة. شراكة في المحاولة، في التعلم، حتى في الأخطاء.
أنا ممتن لأنني أرى في عينيكِ كل صباح ذلك العزم على خلق توازن بين ما يجب الحفاظ عليه وما يجب تجربته. هذه الرحلة التي نسيرها معاً، بخطوات صغيرة وهادئة، هي التي تبني ثقة أطفالنا في أنفسهم وفي العالم من حولهم.
لأنهم يرون فينا ليس آباءً كاملين، بل شركاء في النمو، يتعلمون كما يتعلمون.
المصدر: The Fig Strangler: Tips for Successful Legacy Modernisation in Capital Markets (Steve Grob), Finextra, 2025-09-23