تخيل لو أن طفلك يستطيع التحدث مع روبوت بلغته الأم، بلغة جده وجدته، بلغة القصص والأغاني التي توارثتها الأجيال. هذا ليس خيالاً بعد الآن! في أفريقيا، يعمل باحثون مبدعون على جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي تتحدث بلغات محلية، مما يفتح أبواباً جديدة للمعرفة والاتصال.
الفجوة اللغوية: لماذا تُهمش بعض اللغات؟
معظم أدوات الذكاء الاصطناعي اليوم، مثل ChatGPT، تُدرَّب على لغات مثل الإنجليزية والصينية واللغات الأوروبية الأخرى، لأنها تمتلك كميات هائلة من النصوص المتاحة عبر الإنترنت. لكن العديد من اللغات الأفريقية تُستخدم بشكل أساسي في المحادثة الشفوية وليس الكتابة، مما يعني نقصاً في البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وجعله مفيداً لمتحدثي هذه اللغات.
هذا التحدي لا يقتصر على الأفريقية فقط—بل هو قصة مألوفة للعديد من المجتمعات حول العالم. فكر في الأمر: إذا لم تتمكن التكنولوجيا من فهم لغتنا، كيف يمكنها أن تفهم ثقافتنا، قصصنا، وحتى أحلامنا؟
كيف تسد مبادرة African Next Voices الفجوة اللغوية؟
ها هو الأمل يبزغ! فريق من الباحثين الأفارقة أطلق African Next Voices، أكبر مجموعة بيانات جاهزة للذكاء الاصطناعي للغات أفريقية، بهدف سد واحدة من أكبر العقبات أمام المشاركة الرقمية: الاستبعاد اللغوي.
بتمويل قدره 2.2 مليون دولار من مؤسسة غيتس، جمعت المبادرة لغويين وعلماء حاسوب وخبراء ذكاء اصطناعي من كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا لتسجيل 9000 ساعة من الكلام الحقيقي بـ 18 لغة أفريقية، بما في ذلك الكيكويو والدولو والهوسا واليوربا والزولو والتشفيندا والسيسوتو.
ستكون مجموعة البيانات مفتوحة الوصول، مما يسمح للمطورين ببناء أدوات تترجم وتنقل وتستجيب باللغات الأفريقية. هذا يعني أن الملايين سيتمكنون قريباً من الوصول إلى الخدمات المالية، الأخبار، وحتى المساعدات الصوتية بلغتهم الأم!
لماذا يهم هذا لأطفالنا؟
كأب، أفكر دائماً في كيف سيشكل العالم المستقبلي الذي ستعيش فيه ابنتي. تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يتحدث بلغات متعددة ليس مجرد رفاهية—بل هو وسيلة للحفاظ على التنوع الثقافي وضمان أن لا يُترك أي طفل خلف الركب بسبب حاجز لغوي.
تخيلوا طفلاً في قرية نائية يمكنه الآن التعلم عبر منصات رقمية بلغته المحلية، أو عائلة تستخدم مساعداً صوتياً يفهم لهجتهم ويساعدهم في حياتهم اليومية. هذا ليس تطوراً تقنياً فحسب، بل هو خطوة نحو المساواة والاندماج.
كيف ترتبط اللغة بالهوية والتراث في عصر الذكاء الاصطناعي؟
كما قال البروفيسور ماريفات:
“اللغة هي بوابة إلى الخيال. ليست مجرد كلمات—بل هي تاريخ، ثقافة، ومعرفة. إذا لم تُدرج اللغات الأصلية، فإننا لا نخسر البيانات فحسب، بل نخسر طرق رؤية وفهم العالم.”
هذا يذكرني بأهمية الحفاظ على اللغات وتراثنا اللغوي في المنزل. سواء كنا نتحدث بلغة واحدة أو عدة لغات، فإن كل لغة تحمل في طياتها كنزاً من الحكمة والتقاليد. الذكاء الاصطناعي الذي يدعم هذه اللغات يساعد في نقل هذا الكنز إلى الأجيال القادمة.
كيف يمكننا دعم هذا التوجه في حياتنا اليومية؟
لا نحتاج إلى أن نكون خبراء في الذكاء الاصطناعي أو التقنية للمساهمة في هذه الحركة. ببساطة، يمكننا:
- شجعوا أطفالكم على تعلم لغات متعددة، وخصوصًا لغات تراثكم العائلي.
- استثمروا أدوات الترجمة والموارد الرقمية في التعليم واللعب.
- شاركوا القصص والأغاني بلغاتكم الأصلية مع من حولكم في المجتمع.
إليكم فكرة بسيطة: ما رأيكم أن نجعل من لعبة “التحدث بلغات مختلفة” جزءاً من وقت العائلة؟ يمكن أن يكون الأمر ممتعاً وغنيّاً بالمعرفة!
ما هو مستقبل اللغات في عالم مدعوم بالذكاء الاصطناعي؟
مبادرات مثل African Next Voices و HausaNLP تُظهر أن التغيير ممكن عندما تعمل المجتمعات المحلية معاً. بدلاً من انتظار الشركات الكبيرة، فإن الباحثين والمتطوعين الأفارقة يأخذون زمام المبادرة لضمان أن الذكاء الاصطناعي يخدم الجميع، وليس فقط النخبة.
هذا يعطيني أملاً كبيراً لمستقبل أطفالنا—عالم حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تُقصينا، بل توحدنا وتثري تراثنا الإنساني المشترك.
لنستمر في دعم هذه الجهود، ولنعلم أطفالنا أن التنوع اللغوي والثقافي هو كنز يجب الحفاظ عليه ومشاركته بفخر!
المصدر: Lost in translation – How Africa is trying to close the AI language gap, BBC, 2025/09/04