في أحد الأمسيات الماطرة، بينما كنت أرتب ألعاب ابنتي المبعثرة، نظرت إليّ ببراءة وقالت: ‘أبي، هل رأيت كيف تراقب الكاميرا حركاتنا في الفصل؟ أشعر وكأن عيناً لا تغمض!’ تلك العبارة البسيطة أطلقت في ذهني سيلاً من الأفكار عن التقارير الأخيرة التي تتحدث عن تحول المديرين إلى ‘أبراج مراقبة’ بفضل الذكاء الاصطناعي!
هل تتحول الإدارة إلى رقابة خفية بفضل الذكاء الاصطناعي في العمل؟
أتذكر مرة ونحن نلعب لعبة ‘فكّ القفل’ على التابلت، كيف أدهشني ذكاؤها في اكتشاف الأنماط بينما أنا أتأخر عنها. بالضبط كما تفعل أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم! لكن ما يقلقني كأب هو أن تُترجم هذه البراعة التقنية إلى أدوات لقياس كل نفس نأخذه في العمل، تماماً مثل تلك الكاميرا التي تُقلق ابنتي في فصولها الدراسية.
التقارير الحديثة تصف واقعاً أشبه برواية خيال علمي: أنظمة ترصد عدد النقرات على لوحة المفاتيح، تحلل نبرة الصوت في المكالمات، وتقرر مصير الموظفين دون أدنى تدخل بشري. وكما تقول البحوث من جامعة كورنيل، هذا النوع من الرقابة يخنق الإبداع ويُضعف الأداء! هل هذه هي بيئة العمل التي سنورثها لأولادنا؟
كيف نحافظ على الوجه الإنساني أمام أنظمة الذكاء الاصطناعي في العمل؟
في أحد أيام العطلات، بينما كنا نرسم لوحة فنية عائلية، أخطأت ابنتي في مزج الألوان فخلقت ظلاً رائعاً لم تخطر ببالنا. هذا بالضبط ما يفتقده الذكاء الاصطناعي – القدرة على رؤية الجمال في ‘الأخطاء’ الإنسانية. البحوث تؤكد أن الموظفين يستاءون من الرقابة الآلية إلا إذا قُدمت كأداة دعم وتطوير بدلاً من عقاب.
أتخيل مستقبلاً يطلب فيه أولادنا من ‘المدير الخوارزمي’ إجازة للمشاركة في احتفال عائلي… كيف سيكون رد الآلة؟ هنا تكمن المعضلة: أنظمة الذكاء الاصطناعي تعالج البيانات ببراعة لكنها تفتقد لغة القلب التي نعلمها لأطفالنا حين نشجعهم على التعاطف مع زملائهم.
من يملك زمام التحكم: الإنسان أم الذكاء الاصطناعي في العمل؟
في إحدى مغامراتنا العائلية لتسلّق التلال، تعلمت ابنتي درساً قيماً: ‘السلم يساعدك على الصعود، لكن قدميك هما من يقرران الاتجاه’. هذه الحكمة تنطبق تماماً على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مكان العمل! فالتقارير تحذر من أن هذه الأنظمة تتحول إلى ‘أسياد بانوبتيكيون’ يفرضون سيطرة غير مرئية.
كأب، أشعر بمسؤولية مضاعفة: كيف أشرح لابنتي أن التكنولوجيا التي تساعدنا في التعلّم واللعب يمكن أن تتحول إلى أداة قمع؟ وكيف نحمي قيمنا الإنسانية في عالم يقدس الكفاءة الرقمية على حسب العلاقات الإنسانية؟
هل تستطيع الأبوة أن تصد طغيان الذكاء الاصطناعي في عالم العمل؟
في لحظات اللعب مع ابنتي حيث نبتكر عوالم خيالية بشخصيات ورقية، أعي جيداً أنني أُعدّها لمستقبل غير مرئي. تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تراقب العمال اليوم قد تكون في مدارسها غداً. لكن الأبحاث تقدم بصيص أمل: عندما يُقدم الذكاء الاصطناعي كرفيق داعم بدلاً من شرطي مراقب، يقبله الناس بصدر رحب.
هنا تكمن مهمتنا كآباء: غرس مهارات التفكير النقدي التي تجعل أولادنا يفرقون بين التكنولوجيا الخادمة والتكنولوجيا المتسلطة. أن نعلمهم أن يقولوا بثقة: ‘هذه الآلة تساعدني لكن لا تحكم عليّ’ كما نقول لهم: ‘الدرجات مهمة لكنها لا تعرّف قيمتك’
كيف تضيء المصابيح طريقنا في نفق الذكاء الاصطناعي بالعمل؟
أخيراً، بينما أشاهد ابنتي تتعلم برمجة لعبة بسيطة على الجهاز اللوحي، ألمس المستقبل ليس أسوداً كما تصوره بعض التقارير. التحدي يكمن في الموازنة بين براعة الآلة وحكمة الإنسان، تماماً كما نوازن في التربية بين الحرية والمسؤولية.
المفتاح – كما تعلمت من كفاح ابنتي في ركوب الدراجة – هو أن نسقط أكثر من مرة ثم ننهض.
خطوات عملية نستطيع اتخاذها معاً
لكن الأمل ليس ضائعاً! معاً، نستطيع أن:
- أن نضع حدوداً أخلاقية للذكاء الاصطناعي
- أن نطالب بالشفافية
- أن نتذكر دائماً أن التكنولوجيا الجيدة هي التي تزيد من إنسانيتنا لا تقلل منها
ربما هذه هي أكبر هدية نقدمها لأولادنا في عصر التحول الرقمي: هذه الهبة التي لا تقدر بثمن.. قلبنا الإنساني. لنتعهد بأن ننقله لأطفالنا بكل حب وأمل
القلب الإنساني لا يمكن اختزاله إلى معادلة رياضية
Source: Report Warns That AI Is About to Make Your Boss a Panopticon Overlord, Futurism, 2025/09/27 15:15:00
