بين الغروب والفجر: كيف نبني جسر ثقة مع أطفالنا من خلال الحوار الصادق

أم تتحدث مع طفلها بعد يوم عمل طويل

أتذكر تلك النظرة في عينيك عندما تعودين من العمل… ذلك التعب الذي تحاولين إخفاءه، والتوهج الذي يظل موجوداً لأنك تعرفين أن هناك من ينتظرك. في هذه اللحظات، كثيراً ما تسألين نفسك: كيف أبدأ حواراً حقيقياً مع أطفالي بعد هذا اليوم الطويل؟ كيف أجعلهم يتحدثون عن يومهم أكثر من مجرد رد بـ”جيد”؟ من خلال تجربتي، اكتشفت أن هذه الأسئلة التي تراود كل أب وأم عاملين هي بداية رحلة بناء جسر الثقة الذي سنتحدث عنه اليوم.

لحظة العودة: كيف نتحول من متعبين إلى مستمعين؟

تعالوا نتخيل هذه اللحظة سوية… تضعين حقيبتك، تخلعين حذاءك، وتدخلين إلى البيت. الأطفال يهرولون نحوكِ يريدون مشاركة كل شيء حدث خلال اليوم. وأنتِ… تشعرين بالإرهاق والرغبة في الصمت. هنا يكمن التحدي الأول: كيف نتحول من حالة التعب إلى حالة الاستعداد للاستماع؟

لقد تعلمت أن الأمر لا يحتاج إلى كثير من الجهد. مجرد جلوس على الأرض معهم، والنظر في أعينهم، وطرح سؤال بسيط مثل: “أخبروني عن أفضل شيء حدث اليوم”… هذا يكفي لبدء حوار حقيقي. ليس من الضروري أن تكون المحادثة طويلة، المهم أن تكون صادقة.

فن طرح الأسئلة التي لا تنتهي بـ”جيد”

كم مرة سألنا أطفالنا: “كيف كان يومك؟” فقط لنحصل على إجابة واحدة: “جيد”؟

الحل بسيط… بدلاً من الأسئلة العامة، نطرح أسئلة محددة:
“ما أكثر شيء جعلك تضحك اليوم؟”
“هل حدث شيء لم تتوقعه؟”
“من ساعدك في حل مشكلة واجهتها؟”

هذه الأسئلة الصغيرة تفتح أبواباً كبيرة للحوار. تذكر أن الأطفال يحتاجون إلى الشعور بأننا مهتمون حقاً بما يقولونه، وليس فقط نطرح الأسئلة من باب الواجب.

الاستماع بكل الحواس: عندما تصبح الأذنان غير كافيتين

الحوار الحقيقي لا يعتمد على الكلمات فقط… بل على لغة الجسد، ونبرة الصوت، ونظرات العيون. عندما يجلس طفلك ليتحدث معك، اجعل كل تركيزك له. ضع الهاتف جانباً، انظر في عينيه، استمع ليس فقط لما يقول، ولكن لما لا يقوله أيضاً.

هذه اللحظات من الاستماع الكامل هي التي تبني جسر الثقة المتين.

الطفل بيحس إنه مهم، إن كلمته ليها وزن وحق!

حتى عندما نغيب: كيف نعوض بالجودة لا الكمية؟

نعرف جميعاً أن العمل أحياناً يجبرنا على الغياب لساعات طويلة… ولكن الغياب الجسدي لا يعني الغياب العاطفي. كيف نعوض هذا الغياب؟

السر في جودة الوقت وليس كميته. عشر دقائق من الحوار الصادق أفضل من ساعات من التواجد الجسدي مع انشغال ذهني. رسالة صوتية قصيرة خلال اليوم، مكالمة فيديو خلال استراحة العمل، حديث قبل النوم ولو لدقائق… هذه اللحظات الصغيرة تبني ذكريات كبيرة في قلوب أطفالنا.

عندما نشعر بالإجهاد: كيف نتحاور دون أن نغضب؟

لنكن صادقين… هناك أيام نشعر فيها أننا لا نتحمل حتى صوت أطفالنا. أيام يكون فيها التوتر والغضب على السطح. في هذه الأيام بالذات، الحوار يصبح تحدياً أكبر.

ما تعلمته هو أن الاعتراف بالمشاعر أفضل من إخفائها. قول بسيط مثل: “أبي متعب اليوم، دعنا نجلس بهدوء ونقرأ قصة” أفضل من الصراخ أو الانفعال. الأطفال يفهمون أكثر مما نعتقد، وعندما نعترف بمشاعرنا، نعلمهم أن المشاعر الطبيعية لا تخجل منها.

جسر ثقة يبني نفسه يومياً

في النهاية… بناء جسر الثقة مع أطفالنا ليس حدثاً واحداً، بل هو رحلة يومية من الحوارات الصغيرة، والاستماع الحقيقي، والوجود الفعلي حتى في لحظات الغياب.

لا تحتاج إلى كثير من الوقت، ولا إلى طاقة خارقة… فقط تحتاج إلى نية صادقة، وأذن صاغية، وقلب مفتوح. تذكر أن كل كلمة تقولها، كل لحظة تستمع فيها، كل نظرة حب… هي حجر في جسر الثقة الذي سيربطكم للأبد.

هذا الجسر اللي بنبنيه يوم بعد يوم… هو أقوى هدية نقدمها لأطفالنا ولأنفسنا!

المصدر: تقرير Press Un بتاريخ 23 سبتمبر 2025 بعنوان “We Must Never Give Up”

أحدث المقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top