أتأملها وقد أطبقت الحاجبين قليلاً، تتناول جوال ابنتنا كمن يقلب صفحات مصحف، تبحث عن «زر التقارير» في تطبيق الرقابة الأبوية. أقول في سرّي: لو كان القلق نوراً لأضاء الكون. بعد لحظة ترفع بصرها وتضحك: «اكتشفت إنها بتكلم ولد من المدرسة يرسل لها قلباً حمراء، بس أنا أول ما قريت الرسالة فكّرت إن هاكراً بيكلّمها!»
الضحكة تُخرج الهواء من صدري، ثم تعود تُكمل بجدية: «كيف أحمي خصوصية أطفالي على الإنترنت وفق مبادئ التربية الإسلامية؟ ما أبغى أخيفهم، بس ما أبغى أُهمّش الخطر». في تلك اللحظة تذكّرتُ لماذا أحببت نبرة صوتها من أول كلمة: هي تجعل من السؤال البسيط طريقاً للعناية.
الكرة الفضية تراقب.. ونحن نراقبها
بدأت القصة حين طلب منا أحد التطبيقات «تحقيق العين» لإعادة تعيين كلمة المرور. صورة واضحة للقزحية، تماماً كما تفعل المطارات الآن. لوهلة شعرت أننا نُقَدّم مفاتيح بيتنا لغريب، وبصمتنا الضوئية لا تُستبدل إن تسرّبت.
خلال العشاء طرحتُ الموضوع على الأطفال: «شو رأيكم لو الغسالة تُصرّح: قميصك ما يغسل نفسه.. وبعدين تطلب صورة لعينك؟» ضحكوا، لكنّ ابني الأصغر تساءل ببراءة: «معناه لو سرقوا صورتي بقدروا يعملوا نسخة مني؟»
تلك اللحظة عرفنا إنه لازم نسمع لبعض، لا نُغلق الباب ونتركهم يُلهثون خلف الشاشة.
نصائح أمنية لحماية بيانات أطفالنا من الاختراق… بلغة الطفل
اتفقنا على أن نُسّق خطة مثل فريق سوبر ماركت يوزّع مهمات:
١- نذكّرهم أن كلمة المرور أمانة: «لا تَعْطِها حتى لصاحبك المفضّل إلا إذا أذنتِ أمك». استخدمنا حيلة «النقود المعدنيّة»: أعطيناهم قطعة نقد وقلنا: «لو أخذها شخص، قدّر يشتري بها الشوكولاتة، لكن لو أعطيتَها لأمين فهي تبقى في صندوقك». تبسيط، لا إرهاب.
٢- جعلنا «قراءة سياسة الخصوصية» تحدّي ثلاث دقائق: من يعثر على كلمة «الإعلانات» أولاً يكسب نقطة. صاروا يبحثون بفضول بدل الضغط على «أوافق» دون تفكير.
٣- علّقنا ملصقاً صغيراً بجوار الراوتر: «لا معلومات حساسة قبل مناقشة الكبار». هكذا يعرفون أن هناك حدوداً طيبة، لا أسوار خوف.
تعليم الذكاء الاصطناعي للصغار مع الحفاظ على خصوصيتهم
ابتعتُ لهم روبوتاً صغيراً يستجيب للأوامر الصوتية، فاستغللته أمّهم لتمثيلية مباشرة: سجلنا صوتاً يقول «أحبّ أمي»، ثم أعدنا تشغيله بالروبوت. بعدها سألتهم: «هل البيانات الصوتية أقل خطراً من الصور؟» وناقشنا كيف يُخزّن التطبيق تلك البيانات على خادم بعيد.
«المعرفة طيبة، لكن نبحث عن مصادر أمينة، مثلما نختار التمر الطري»
لذلك وضعنا قاعدة: إعداد الصوتيات على «وضع القُطّ»، أي لا تسجيل تلقائي إلا إذا ضغطنا زرّ «نعم» أثناء الجلوس معاً. يخرج الضوء الأحمر وقت التسجيل، فيعلمون أن أحدهم يسمع.
نُمارس أدوات الرقابة الأبوية لحماية المراهقين من الابتزاز الإلكتروني
للأمّ السؤال اليتيم: «هل أتحوّل إلى مخبرة؟» أجابت زوجتي بهدوء: «أنا الحارس الليلي، لست البوليس الخفي». نتفقّد التقرير الأسبوعي معاً، فنُظهر لابنتنا أننا نتواجد لا نتجسس.
عندما وجدت رسالة قلب حمراء، لم تُوبّخها، بل قالت: «خصوصيتك خط أحمر». إذا حاول إقناعك بصور أو بيانات، أخبريني كأني صديقتك، لا قاضيتك». أُحبّها؛ تُقسم الخطر إلى قابلٍ للنقاش وليس عاراً يُخفى.
كنّا نسمع قصص أطفال يشتَرِون آلاف الدولارات «عن طريق الخطأ». لذا فعّلنا الشاشة على عدم قبول الدفع إلا ببصمة الوالد. لمّا حاول ابننا شراء «حيوانات إفتراضية» رفضت الشاشة، فالتفت إلينا يصرخ: «ليش يشترطون البصمة؟» فشرحنا أن المال الرقمي مثل الشاي: أول ما يسكب يصعب جمعه. أدرك أن «النقرة السهلة» هي مصيدة.
المصدر: Sam Altman wants his new company to scan the irises of every human on Earth — here’s what that means for you, New York Post, 2025-09-11
