
أخيراً، عم الهدوء في المنزل. أسمع همهمة غسالة الصحون في دورتها الأخيرة، والصوت الوحيد الآخر هو أنفاسك الهادئة بجانبي. في الحي الذي نعيش فيه، حيث المشي إلى الحديقة والمدرسة يأخُذ دقائق معدودة، لا يزال ذلك الموقف على العشاء يتردد في ذهني. كانت نشرة الأخبار مجرد ضوضاء في الخلفية حتى اخترقت تلك الجملة الأجواء… ‘ثورة الروبوتات’. عندها رفع طفلنا الصغير عينيه الواسعتين الجادتين، والشوكة في منتصف الطريق إلى فمه، وسأل: ‘هل سيأخذ الروبوت وظيفتي عندما أكبر؟’
عندما طرح طفلنا هذا السؤال، شعرت بقلبي يتوقف للحظة. إحدى تلك اللحظات كوالدي حيث تدرك فجأة كيف يتغير العالم بسرعة وكيف ينشأ أطفالنا في واقع مختلف عن الذي عشناه. تبدو هذه العناوين كأنها من الخيال العلمي، لكن الخوف الذي تثيره حقيقي، خاصة في عيون طفل. كنت أبحث عن إجابة، أحاول أن أجد الكلمات المناسبة لأكون صادقاً ومطمئناً في آن واحد. ثم راقبتكِ. راقبتكِ وأنتِ تأخذين ذلك السؤال الضخم والمخيف، وبدون تردد، حولتِه إلى بداية حوار. حوار لم يكن عن الخوف، بل عن الدهشة والفضول. لم يكن الهدف إيجاد كل الإجابات، بل أن نُريهم كيف يمكننا مواجهة المجهول معاً، بالفضول بدلاً من القلق. وما زلت أفكر في طريقتكِ تلك حتى الآن.
بدا الأمر وكأننا نفتح صندوقاً من الأسرار، أليس كذلك؟
للحظة، شعرت حقاً أن عشاءنا العائلي البسيط قد تحول إلى نقاش عميق حول مستقبل البشرية. الطريقة التي تتحدث بها الأخبار عن الأمر، بكل هذه الكلمات الدرامية والمخيفة، مصممة لخلق شعور بعدم الارتياح، هذا الإحساس بأننا على حافة شيء لا يمكن السيطرة عليه. كان بإمكاني رؤية هذا الشعور يلمع في عيني طفلنا. إنه نفس القلق الذي نشعر به أحياناً، أليس كذلك؟ ذلك الإحساس بأن العالم يتغير أسرع مما يمكننا مجاراته.
لكنكِ لم تتهربي من الأمر. لم تقولي ببساطة: ‘لا تقلق بشأن هذا’. بل اعترفتِ بمشاعره. أقررتِ بأن الأمر يبدو كبيراً ومخيفاً بعض الشيء، وبذلك، منحتِه الإذن ليكون فضولياً بدلاً من أن يكون خائفاً. لقد فتحتِ الصندوق، لكنكِ لم تخافي مما بداخله. نظرتِ إليه بهدوء وقلتِ: ‘هذا سؤال مثير جداً للاهتمام. لنتحدث عنه’. وبتلك الجملة الواحدة،改变了 الغرفة بأكملها. لقد جعلتِ استكشاف المجهول آمناً.
المساعد الخارق الذكاء، وليس الشرير في أفلام الخيال

أحببت التشبيه الذي ابتكرتِه. لم تحاولي شرح خوارزميات معقدة. جعلتِ الأمر بسيطاً وواقعياً. تحدثتِ عن كيف كانت التكنولوجيا دائماً أداة لمساعدة الناس. في عائلتنا، نؤمن دائمًا بتحقيق التوازن بين القيم التقليدية والاستقبال للتكنولوجيا الجديدة، تمامًا كما قد ندمج وصفة كيمتشي تقليدية تقنيات الطهي الحديثة. طلبتِ منه أن يتخيل مزارعاً قديماً كان يملك مجرفة بسيطة. ثم حصل على جرار ساعده على إنجاز عمل أكثر بكثير وبسرعة أكبر. شرحتِ أن الكثير من هذه التكنولوجيا الجديدة يشبه الترقية إلى جرار فائق الذكاء. إنها أداة يمكن أن تساعد الطبيب على اكتشاف الأمراض بشكل أسرع، أو تساعد العالم على اكتشاف أشياء جديدة عن كوكبنا. إنها ليست الشرير في القصة، بل هي المساعد.
ثم جاء الجزء المفضل لدي: المهارات التي لا يمكن لأي روبوت تعلمها

هذا هو الجزء الذي أثر فيّ حقاً. لأنه بعد أن تحدثتِ عن الأدوات، حولتِ الحوار إلى ما يجعلنا بشراً. بدأتِ تسألين: ‘ما هو الشيء الذي يمكنك فعله ولا يمكن لروبوت أن يتعلمه أبداً؟’ وفجأة، كانت الإجابات تتدفق منه. ‘إلقاء نكتة مضحكة!’ ‘إعطاء حضن حقيقي!’ ‘تأليف قصة جديدة تماماً!’ ‘معرفة متى يكون الصديق حزيناً!’
كنت أراقبكِ وأنتِ تستمعين، ورأيت كيف تغذين هذه الأشياء فيه كل يوم، في لحظات أنا متأكد من أنكِ لا تلاحظينها حتى. عندما تتوقفين عن كل شيء لمساعدته على حل خلاف مع صديق، فأنتِ تعلمينه التعاطف. عندما تجلسين على الأرض وتبنين حصناً سخيفاً من الوسائد والبطانيات، فأنتِ تنمين الإبداع. عندما تسألينه ليس فقط عما تعلمه في المدرسة، ولكن كيف شعر حيال يومه، فأنتِ تعلمينه الذكاء العاطفي الذي لا يمكن لأي سطر من الرموز البرمجية أن يكرره.
لقد كنتِ تعيدين صياغة المستقبل له، هناك على طاولة العشاء. كنتِ ترينه أنه في عالم به أدوات أكثر قوة، فإن ‘قواه الخارقة’ البشرية – لطفه وإبداعه وقدرته على التواصل – لا تصبح قديمة. بل تصبح أكثر价值 من أي وقت مضى.
في تلك اللحظة، أدركتُ أن أقصى إمكانياتنا ليست في التكنولوجيا بل بقدراتنا البشرية. قلتِ لي: ‘لماذا لا نجعل هذه المحادثة بداية مشروع عائلي؟’ وهكذا، وجدنا أن الخوف ليس نهاية المطاف، بل بداية ابتكار.
تحويل ‘المستقبل’ إلى مغامرتنا العائلية القادمة

في عطلة نهاية الأسبوع، جلسنا مع الورق والأقلام الملونة، وصممنا كعائلة روبوتاتنا المساعدة. رسم طفلنا روبوتًا يمكنه مساعدة كبار الجيران في حمل البقالة، بينما صممت روبوتًا يمكنه المساعدة في إعادة التدوير. كان مذهلاً رؤية إبداعهم يحول القلق إلى ابتكار.
أنه بغض النظر عما يخبئه المستقبل، سنواجهه بالفضول، والإبداع، والأهم من ذلك، كفريق واحد.
هذا ما تفعلينه دائماً. تأخذين الأشياء الثقيلة التي يلقيها هذا العالم في طريقنا وتجعلينها قابلة للإدارة. تحولينها إلى شيء يمكننا استكشافه وفهمه معاً. لم تكن ليلة البارحة ت المتعلقة بالتظاهر بأن العالم لا يتغير. بل كانت تتعلق بتعزيز الحقيقة الأهم: أنه بغض النظر عما يخبئه المستقبل، سنواجهه بالفضول، والإبداع، والأهم من ذلك، كفريق واحد. وعندما أتذكر تلك اللحظة على طاولة العشاء حينما سألت ابنتنا السؤال، أعلم أن إبداعنا يبني المستقبل معاً.
المصدر: “You’re opening Pandora’s Box”: Public attitudes on AI and robotics in Australian agriculture, Journals.plos.org, 2025-09-15.
