
أتذكر تلك الليلة عندما عدتِ من العمل متأخرة، والتعب بادٍ على وجهك. جلستِ على الأريكة وأغلقتِ عينيك للحظة، بينما كنتُ أعد القهوة. نظرت إليكِ وأنا أفكر: كم من المرات ننسى فيها أن أعظم القوى ليست في أجهزتنا، بل في قلوبنا التي لا تزال تنبض بالحب رغم كل التعب.
اللمسة التي لا تستطيع الآلة تقليدها

أحياناً وأنا أشاهدك تنتقلين بين رسائل العمل وتحضير العشاء، أتساءل: أي آلة تستطيع أن تفعل ما تفعلينه؟ أي ذكاء اصطناعي يستطيع أن يحمل هموم العمل والبيت في نفس اللحظة، ثم يقدم لكل منهما كل الحب والاهتمام؟
أتذكر ذلك المساء عندما جلستِ بجانب الطفل وهو يبكي من الحمى، ووضعتِ يدك على جبينه بينما الأخرى تردين على رسالة عمل مهمة. في تلك اللحظة فهمت أن هناك نوعاً من الذكاء لا يمكن للتقنية أن تصل إليه أبداً: ذكاء القلب الذي يعرف كيف يوزع نفسه بين كل من يحتاجه.
القوة التي لا نراها لكننا نشعر بها

في صباح اليوم التالي، بعد ليلة متعبة من العمل والاهتمام بالطفل المريض، رأيتكِ تقفين أمام المرآة تهمسين لنفسك: ‘يمكنني فعل هذا’. لم تكن كلمات قوية أو صيحة تحدٍ، بل همسة ثقة هادئة كتلك الهمسات التي تهمسينها لأطفالنا عندما يخافون من الظلام.
هذه الهمسة، هذا الإصرار الهادئ الذي لا تعلنه للعالم لكنه يملأ بيتنا أمناً – هذا هو الذكاء الإنساني الحقيقي. الذكاء الذي يعرف كيف يجد القوة عندما لا يبقى قوة، ويعرف كيف يمنح الأمل عندما يبدو كل شيء صعباً.
وهذا يقودني إلى سؤال مهم: كيف يمكننا كأزواج أن ندعم هذا النوع من القوة؟
كيف يدعم الزوج زوجته العاملة؟

أحياناً مجرد سؤال بسيط عن شعورها يمكن أن يغير كل شيء. ليس دائماً تحتاج إلى حلول كبيرة، بل إلى وجود يسمع ويفهم. عبارات الدعم البسيطة يمكن أن تجعل يومها مختلفاً تماماً.
التعاطف في تربية الأبناء لا يأتي من الكتب أو التطبيقات، بل من القلب الذي يعرف كيف يستمع وكيف يحتوي.
عندما تدعم زوجتك بهذه الطريقة، أنت لا تخفف عنها المسؤوليات فحسب، بل تبني معها شراكة حقيقية تواجه معاً صعوبات الحياة.
المستقبل الذي نبنييه بأيدينا وقلوبنا

عندما أقرأ عن الذكاء الاصطناعي والمستقبل التقني، أفكر فيكِ أنتِ. أفكر في كيف أنكِ تبنين مستقبلاً مختلفاً كل يوم – مستقبلاً من اللحظات الصغيرة التي تجمع بين الحنان والحكمة، بين العمل والحب.
لا تقلقي على مستقبل أطفالنا في عالم الآلات. لأنهم يتعلمون منكِ كل يوم درساً لا تدرسه أي مدرسة: أن الإنسان بقدرته على الحب والتعاطف والإصرار، سيظل دائماً أكثر قيمة من أي آلة.
رسالة شكر لشريكتي في هذه الرحلة
أريدكِ أن تعرفي شيئاً واحداً: في كل مرة تشعرين فيها أن التعب يغلبكِ، وأن الضغوط تكثر، تذكري أن هناك عينين تشاهدانكِ بإعجاب – عيناي أنا.
أشاهد كيف تحولين التحديات إلى فرص، وكيف تجدين دائماً طريقة لتمنحينا كل ما نحتاجه دون أن تفقدي نفسكِ في الطريق. هذه المهارة – مهارة البقاء إنساناً رائعاً في عالم سريع – هي أعظم هدية نقدمها لأطفالنا.
فشكراً لكِ على كل همسة طمأنينة في ليلة مظلمة، وعلى كل ابتسامة صباحية رغم قلة النوم، وعلى كل لحظة تثبتين فيها أن القلب البشري لا يزال أعجوبة لا تقدر بثمن. أليس هذا هو الإرث الحقيقي الذي نريد تركه لأطفالنا؟
المصدر: Why AI hasn’t taken your job: And any jobs-pocalypse seems a long way off, The Economist, 2025-09-28
