
بعد أن هدأ يوم العمل الطويل ونام الأطفال، جلست أفكر في الأخبار التي أقرأها عن تطور الذكاء الاصطناعي. جالست أفكر، كما نفعل دائماً عند لقاء الأطفال قبل النوم، تلك اللحظات التي نتشارك فيها كل شيء: في هذا العصر الرقمي المتسارع، كيف يمكننا التأكد من أن هذه التقنيات تخدمنا كعائلة وكمجتمع، وليس فقط مصالح الشركات الكبرى؟
الأمر يشبه تلك المحادثات الهادئة التي نجريها حول كيفية تربية أطفالنا في عالم متغير، وكيف نوجههم في بحر المعلومات المتلاطم. إنه يتعلق بالتوازن الدقيق بين الابتكار التقني والقيم الإنسانية التي نؤمن بها، بين التقدم الذي ننشده والإنسانية التي يجب ألا نفقدها.
هل هذا السؤال لم يطرحه لنا أي منا بينما يلاحظ أطفالنا وهم يستخدمون الأجهزة الرقمية؟
ما معنى الذكاء الاصطناعي المفتوح حقاً؟

أتذكر عندما كنا نتحدث عن أهمية مشاركة الأطفال لألعابهم في الحديقة، وكيف أن هذه القيمة البسيطة تحمل في طياتها دروساً عميقة تنطبق على عالم التقنية أيضاً. الذكاء الاصطناعي المفتوح يعني أن الجميع يمكنه الوصول إلى هذه التقنيات وفهمها وتحسينها، وليس فقط مجموعة مختارة من المطورين في الشركات الكبرى.
إنه يتعلق بالشفافية الكاملة، بأن نعرف كيف تتخذ هذه الأنظمة القرارات التي قد تؤثر على حياتنا اليومية، تماماً كما نريد أن نفهم كيف تتربى أطفالنا في المدرسة أو كيف يتعلمون القيم الأساسية في المنزل.
في العالم المفتوح، تزدهر الأفكار وتتضافر الجهود لخدمة الصالح العام، وهذا هو جوهر دور الذكاء الاصطناعي المفتوح في تمكين الأفراد والمجتمعات.
الفرق بين النماذج المفتوحة والمغلقة يشبه الفرق بين مشاركة وصفة طعام عائلية غنية بالتاريخ مع الجيران والأصدقاء، حيث يمكن للجميع الاستمتاع بها وربما إضافة لمساتهم الخاصة، وبين إبقائها سراً محكماً داخل المطبخ.
التحديات التي تواجه الابتكار المفتوح في مجتمعاتنا

أحياناً، عندما أشاهد الأطفال يتنافسون على الألعاب، أفكر في كيف أن الموارد التقنية اليوم تتركز في أيدي قلة. التكلفة الباهظة للبنية التحتية الحسابية اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي تشبه محاولة بناء ملعب كبير يحتاج إلى استثمار ضخم – لا يستطيع الجميع المشاركة فيه بسهولة.
هذا التركيز يحد من التنوع والابتكار، تماماً كما لو أننا سمحنا لمجموعة صغيرة من الأطفال بتحديد كل الألعاب التي يلعبها الجميع في الحديقة، مما يقضي على الإبداع الفرادي. الفكاهة في الأمر؟ إنه يشبه محاولة تقسيم قطعة حلوى واحدة بين عشرة أطفال – الجميع يريد نصيبه، ولكن الموارد محدودة للغاية.
كما نرى في مجتمعاتنا العربية حيث الترابط الأسرى القوي، يمكن لذكاء اصطناعي مفتوح أن يعزز هذه القيم بدلاً من إضعافها. ومع ذلك، تواجه تحديات أخرى مثل الحاجة إلى كوادر متخصصة، وصعوبة الوصول إلى البيانات الضخمة، وأحياناً غياب الأطر التشريعية
فرص التعاون المجتمعي في عصر الذكاء الاصطناعي

لكنني أرى أيضاً بارقة أمل، كما نرى عندما يتعاون الأطفال لبناء قلعة من المكعبات معاً، حيث تتحول الأفكار الفردية إلى إبداع جماعي. تذكرت عندما تعاونت مع جيراننا لإصلاح ملعب الحي المشترك، كل شخص لديه مهارة معينة قدمها، وهذا تماماً ما يفعله الذكاء الاصطناعي المفتوح – يجمع أفضل ما لدى الجميع
تخيلوا المجتمعات المحلية تشارك في تطوير أدوات ذكاء اصطناعي تساعد في ترجمة اللغات المحلية النادرة، أو في تحسين الزراعة باستخدام البيانات المفتوحة لتحقيق أمن غذائي أفضل. هذه المنصات المفتوحة تمكّن المبتكرين من مختلف الخلفيات – الشاب الطموح في القرية الذي يمتلك فكرة، الأم التي تطور تطبيقاً لمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أو حتى المعلم الذي يبحث عن أدوات تعليمية مبتكرة – تماماً كما نريد أن يكون لكل طفل فرص متساوية للتعلم والإبداع، وأن يجدوا الأدوات التي تساعدهم على تحقيق أحلامهم.
هذا هو دور الذكاء الاصطناعي المفتوح في تمكين الأفراد والمجتمعات، بتحويلهم من مجرد مستهلكين للتقنية إلى مشاركين فاعلين في بنائها.
طريقنا نحو مستقبل أكثر شمولية

في النهاية، الأمر يشبه تربية أطفالنا – نريد التوازن بين حمايتهم وإعطائهم حرية الاستكشاف والتعلم. نحتاج إلى التوازن بين الانفتاح التقني والحماية من إساءة الاستخدام، تماماً كما نعلمهم كيف يتصفحون الإنترنت بأمان وفي الوقت نفسه يشجعهم على استكشاف عوالم المعرفة.
كيف يمكننا دعم قيمنا المجتمعية عبر هذه التقنيات، وضمان أنها تعكس ما نؤمن به؟
ربما بالبدء بمحادثات عائلية حول أهمية المشاركة والشفافية في العالم الرقمي، ودعم المبادرات المحلية التي تروج للتقنيات المفتوحة وتطورها. المستقبل الرقمي يجب أن يُبنى كفريق واحد، حيث لكل منا دور في لضمان أنه يخدم الجميع، وليس فقط من لديهم الموارد. فلنفكر معاً، كشركاء في هذه الرحلة، كيف يمكننا المساهمة في بناء هذا المستقبل الذي نتمناه لأطفالنا ولمجتمعاتنا، مستقبل تسوده الشفافية والتعاون والفرص المتساوية. هذا هو التوازن الذي نسعى إليه، أليس كذلك؟
Source: The AI paradox: can AI and open source development co-exist?, Techradar, 2025-09-17.
