
تخيلوا معي تلك اللحظة المسائية، بعد أن ينام الصغار، حين تجلسين مع شريكك تتحدثان عن حماس الطفل ذلك اليوم للعبة الرياضيات الجديدة على الجهاز اللوحي. تتساءلين بصوت خافت: ‘هل حقاً يتعلم أم فقط يلعب؟’. في تلك اللحظة، ندرك أننا نواجه سؤالاً أكبر من مجرد لعبة – إنه سؤال عن مستقبل تعليم أطفالنا في عالم أصبحت فيه الشاشات جزءاً من يومهم الدراسي.
الوعد الكبير والواقع الذي نعيشه
نتذكر كيف كنا نتحمس معاً لكل تطبيق تعليمي جديد، وكيف كنا نعتقد أننا نقدم لأطفالنا أفضل ما في التكنولوجيا. ولكن مع الوقت، بدأنا نلاحظ أن الحماس للشارات والنقاط أصبح يفوق الحماس للتعلم نفسه. نرى كيف ينظر إلينا الأطفال ونحن نحاول إبعادهم عن الجهاز بعد ساعات، وكيف أصبحت كلمة ‘تعليمي’ مجرد غطاء لألعاب تجمع بياناتهم أكثر مما تعلمهم حقاً.
في تلك الأمسيات التي نجلس فيها لمراجعة يوم أطفالنا، بنفسنا بنتساءل: هل صار الفصل الدراسي كأنه معمل لجمع المعلومات… بس تحت مسمى ‘تعليم مخصص’؟ هل نضحك عندما نرى كيف تحولت الدروس إلى سباق للنجوم والشارات بدلاً من أن تكون رحلة استكشاف حقيقية للمعرفة؟
العلامات التي نتخلص عليها معاً

كم مرة بننظر للشاشة وبنقول: يعني، يبدو إنه يلعب أكثر مما يتعلم؟ لقد تعلمنا أن ننتبه لتلك اللحظات عندما ينشغل الطفل بالمنافسة على المركز الأول أكثر من انشغاله بفهم المسألة التعليمية. نذكر ضحكتنا المرّة عندما أدركنا أن بعض هذه ‘الألعاب التعليمية’ تشبه مطاردة للعملات الافتراضية أكثر من كونها فرصاً حقيقية للتعلم.
في صباح أحد الأيام، بينما نحضر حقائب الأطفال للمدرسة، نتشارك الهمس: ‘هل لاحظنا كم مرة تظهر له إعلانات أثناء ما يفترض أنه وقت تعلم؟’. في تلك اللحظة، ندرك أننا نواجه معركة خفية – معركة بين تعليم أطفالنا ومصالح تجارية تريد بياناتهم أكثر مما تريد تعليمهم.
نصائح عملية للتوازن الرقمي

بدأنا رحلة جديدة نبحث فيها عن التوازن. نقف إلى جانب أطفالنا أثناء استخدامهم للتطبيقات، نسألهم أسئلة عميقة عما يتعلمونه حقاً. كم هي جميلة تلك اللحظات عندما نكتشف معاً تطبيقاً لا يطلب بياناتهم بل يطلب تفكيرهم، لا يمنحهم نجوماً بل يمنحهم فهماً حقيقياً.
نصائح بسيطة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً: تحديد أوقات محددة للاستخدام، مشاركة الأطفال في أنشطة غير رقمية، ومراقبة المحتوى الذي يتعرضون له. طيب، الأهم من ذلك أن نكون قدوة في استخدامنا الصحي للتكنولوجيا.
حماية الخصوصية في العالم الرقمي

كيف نحمي خصوصية أطفالنا في هذا العالم الرقمي الواسع؟ إحنا ليش بنخاف من هالشي؟ الأمر يبدأ بالوعي. تعلمنا أن نقرأ شروط الخدمة بعناية، وأن نعرف ما هي البيانات التي يجمعها كل تطبيق. نتحدث مع أطفالنا عن أهمية الخصوصية، ونعلمهم كيف يكونوا أذكياء في مشاركة معلوماتهم الشخصية.
في نهاية اليوم، عندما نجلس معاً لنتحدث عن ما تعلمه أطفالنا حقاً، ليس من الشاشات بل من الحياة، نعلم أننا نسير في الطريق الصحيح.
العودة إلى الجذور: التعلم الحقيقي

أنظر إلى شريكتي وهي تقرأ قصة للأطفال قبل النوم، مثلما كنا نسمع الحكايات من جداتنا، بنحاول نمنحهم نفس الدفء والمعرفة، بعيداً عن كل الشاشات، وأعلم أن أعظم تقنيات التعليم هي تلك التي لا تحتاج إلى كهرباء – إنها الحب، والاهتمام، والوقت الذي نمنحه لهم بكل صدق.
التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة رائعة للتعلم، ولكنها يجب ألا تحل محل التفاعل البشري الحقيقي. عندما نجد التوازن الصحيح، نمنح أطفالنا أفضل ما في العالمين: فوائد التكنولوجيا الحديثة مع دفء التعلم التقليدي.
هذه الرحلة التي نسيرها معاً، كآباء وأمهات، هي رحلة اكتشاف مستمرة. نتعلّم مع أطفالنا، نخطئ ونصحح، وننمو معاً في هذا العالم الرقمي المتغير بسرعة. وتلك اللحظات التي نراها في عيونهم عندما يفهمون فكرة جديدة حقاً – هذه هي الثروة الحقيقية التي لا تقدر بثمن. الأهم أننا نفعل ذلك معاً، بحب وحكمة وصبر.
المصدر: The False Promise of Digital “Learning”, Diane Ravitch, 2025-09-30
