
الساعة تجاوزت الثانية عشرة، وسكت خرير الماء من حنفية المطبخ أخيرًا. فيتلك الليلة بينما كنتِ تتوقّعينني بقية النهار، فوجئتُ بخبر عن “تطبيق ذكي يحل أزمات الأسرة في ثوانٍ”… وفجأة رأيتُ ظلك!
قبل ساعتين كنتِ تختبئين في غرفة الغسيل لتكملي تعبئة وجبات الغد بعد أن أنهكتكِ ورشة العمل. أليس عجيبًا؟ العالم كله يصنع مشاريع تُظهر البشر مجرد “مستخدمين”، بينما أنتِ هنا تبنيين بيتكِ من لحظات صمتٍ لا تُحصى.
اليوم أتساءل: هل نبحث حقًّا عن تطبيقات سحرية؟ أم أننا نسينا أن أصعب المشكلات… أجمل حلولها تبدأ عندما ترفعين عينيكِ المتعبتين لتنظري إليّ وأنا أقدم لك كوب الشاي عند السحور؟ أحيانًا أرى نفسي وأنا أفتقر لفهم ضغوطكِ، لكن تلك الليلة التي طلبتين مني مجرد الاستماع بدل تقديم حلول… ذكرتني بأهمية كوني زوجًا قبل أن أكون مديرًا
الوهم: عندما تصبح القلوب ملفات في السيرفر

تذكرين تلك القصة التي سمعناها عن “تطبيق إدارة الأسرة الذكية”؟ حاولتُ مرارًا استخدام تطبيقات لإدارة الوقت، لكني دائمًا ما كنت أجد نفسي أفتح نفس التطبيق مرارًا… أراهن أنكِ تفهمين هذا الإحباط. ضحكتِ حين حوّله البعض إلى فريق مهام: “مهمة: حضانة الأطفال 8 صباحًا” و”مهام تربوية: تطبيق قيم الأسرة”. حتى أن سؤالكِ بدت فيه مرارة: “هل سيرسل لي المبرمج وردة إلكترونية كلما أنهيتُ مهمة تغطية الأطفال؟”
الحقيقة التي أدركناها معًا: التكنولوجيا تحول الأزمات الإنسانية إلى برامج بسيطة، لكنها لا تستطيع فتح ملف الألم في عينيك. مثل تلك الحملات التي نراها… مَن سينبهني عبر إشعار حين تنهمر دموعك وأنتِ عائدة من المستشفى بعد ورشة عمل طويلة؟ مَن سيرسل تنبيهًا حين تتعثر قدمكِ من التعب وقد أنهكتكِ الرسائل الواردة في مجموعة العمل؟
السخرية مريرة: نرفع جرس الإنذار لو تعطل السيرفر خمس دقائق، لكننا نتجاهل أن التدفق الدافئ الذي تمنحيننا إياه كل ليلة هو ما يمنع شاشات ضحكاتهم من التوقف الحقيقي. شابهنا مَن يحاول لصق طلاء لامع على ثقب في سفينته، ليُظهر في الصورة أنها “مُحسّنة”… بينما المياه تغمر الحجرة سرًّا. نحن نضيع أنفسنا في البحث عن اشتراك افتراضي، وننسى أن السفينة الحقيقية هي التي تحمل خدوشها بشموخ!
الجذور: ما لا تراه الشاشات بين أصابعك

اليوم قرأتُ تقريرًا عن فشل مشروع رقابة على الصيد الجائر. “مشكلة لا تحلها البيانات لأنها لا تقيس جوع الصيادين”. هذا يذكرني بتجربة شخصية. فتذكرتُ فجأة: ذلك المساء الذي أنهيتِ فيه إشرافك على الدروس مبكرًا… ليس لتجربة تطبيق جديد، بل لتغسلي البقع عن ثياب الصغير قبل أن ينام.
العالم كله يحسّن واجهات التعليم الإلكتروني، لكن لا أحد يسأل: هل فكّرتَ في العين التي تُغمض بعد الضغط على زر “مشاركة الشاشة”؟ تلك العين التي تحمل ثقل التعليم المنزلي الحقيقي: إعداد الواجبات في جوّ من الذكريات والجروح التي لا تلتئم إلا بلمسة أمّ. مثلما فشلت التطبيقات في مساعدتنا أول يوم حضانة… لم تكن “التحكم عن بعد” هي المنقذ، بل الجارة التي جبتُ مناديل يوم بكى الصغير، وقلتِ لها: “القلوب البسيطة هي قواعدها الحقيقية”.
أنتِ تزرعين جذورًا لا تظهر في الرسوم البيانية: حين تتجاهل إشعار الدوام لتكتبي “نصيحة حب” في دفتر غداء ابنك، أو حين تمسحين دموعه بيديك المتعبتين… هذا ما لا تستوعبه الخوارزميات. العيب ليس في الأدوات، لكن في أن نتحول من مجرد “مستخدم” إلى مُشترك فعّال: حين نستبدل لمسة يدكِ بإشعار مزعج… حينها تبدأ الخلل في الظهور.
المشتركة: تحويل الهاتف إلى جلسة سحور

تذكرين عندما أصرّ البعض على استخدام “مجموعة العائلة” بدل تطبيق مدفوع؟ حتى أن الأصدقاء انتقدوا: “هذا قديم!”… لكنكِ أثبتي أنه أصبح كنز قلوبنا. لأنكِ فهمتي أن التكنولوجيا تبقى مجرد أداة، لو استخدمناها معًا بحكمة. مثل مزارعين حولوا نظام إنذار الجفاف من تطبيق إلى حكمة: جدهم يعرف أن الرشّ قبل الفجر أدق من أي جهاز استشعار.
تعلّمتُ منكِ درسًا عميقًا: الحلول الحقيقية تضع الأم في قلب التصميم. تذكّرتُ ذلك اليوم حين قلتِ صراحة: “لن أتحمل مئة رسالة لو لم نفهم المشكلة حقًّا”. فتحولت الحملة من مقابلات رسمية إلى جلسة قهوة في الصالة… وكأن البيانات جفّت فجأة، وظهرت الحقيقة الحية في العيون. النتائج كانت أكثر صدقًا من التقارير التي تنتظر الأرقام: لأنكِ حوّلتيها إلى حكايات إنسانية.
الأجمل أننا فهمنا: “الموضة” تمرّ، لكن لمسة أمّ تُقبّل جبين طفلها قبل الفجر… هذه الصورة ستبقى حتى لو اختفى الضوء عن الشاشات. لأن ما يبني الأسرة لا يُقاس بعدد الإعجابات ولا يُحفظ في مسابقات برمجية… بل في صمت السحور حين ترفعين رأسكِ لتنظري إليّ وأنا أحمل لك الكوب، والضحكة في عينيك رغم التعب.
الخطوة: من ضوء الشاشة إلى دفء السرير

اليوم بينما أتأمل خيار “الرد السريع” في البريد الإلكتروني، تذكّرتُ سؤالكِ البسيط الذي لا تراه التطبيقات: “ما الفرق بين ‘الحلول’ و’التمنّي’؟”. فتذكرتُ لحظة افترشنا فيها الأرض مع الصغار: حاولتُ “الأتمتة” لإطفاء النور، لكن لم أدرك أن الليلة الماضية احتجت يد أمّ تُلوّح للطفل قبل نومه،لا رسالة: “المهمة اكتملت”.
بسّطتُ فكري في ثلاثة أسئلة تذكرني دائمًا: هل هذه الرسالة ستظلّ كنزًا نعتز به مثل المحراث في التراب… أم ستتحطّم كـ”رد سريع” على الشاطئ؟ لو دفعنا أموالاً طائلة على الشاشة الرقمية، هل سيلتئم الجرح الذي يطلب “ماما” بعد ما يستيقظ الطفل من كابوسه؟ أين ذهبت كل الموارد التي كنا ن reservesها لتطبيق مدفوع… لو حوّلناها لشراء شمعة تنير طريق الجار الفقير الذي لا يستطيع شراء دواء لأولاده؟
الخلاصة التي نعيشها: نحن لسنا مجرد “مستخدمين” في لعبة التكنولوجيا. نحن عائلة تزرع أمانًا… يبدأ من عينيك حين تفتحيهما وقت السحور، ويدك حين تمسحين الغبار عن وجه الغد.
أحيانًا أفتقر للكلمات عندما أراكِ تصبحين طفلةً صغيرةً في دموعكِ، لأن هذه اللحظات من التواصل الصامت… هي التي تبني جسرًا لا تستطيع أي تقنية محاكاته.
الجذور التي تزرعينها في قلوبهم… مهما تحطّمت الشاشات، لا يوجد قرصان في العالم يستطيع كسرها.
وصلنا لليقين: “التحديث” الحقيقي ليس في ترقية التطبيق، لكن في أن نعترف أن الجذور التي تزرعينها في قلوبهم… مهما تحطّمت الشاشات، لا يوجد قرصان في العالم يستطيع كسرها.
المصدر: The False Promise of “AI for Social Good”, Project Syndicate, 2025-09-15
