
هل تذكرون تلك الليلة التي رقد فيها الأطفال مبكراً بعد يوم حافل بالتجارب؟ جلسنا أنا وهي نتشارك فنجان شاي ساخناً، وأخيراً تنفست الصعداء بعدما أنهت العمل. راقبتُها وهي تفتح تطبيقاً تعليمياً للأطفال. لا أعرف أكانت تحاول فهمه أو تعديل إعداداته، لكن الشيء الوحيد الذي فهمته تماماً وقتها: تلك التركيبة النادرة بين الحنين الأمومي وتعقيدات التكنولوجيا، هي بالفعل الذكاء الحقيقي الذي يحتاجه أطفالنا.
ليس مجرد برامج وأجهزة.. شاركوهم التساؤل قبل الإجابات

في المدرسة، صدّق الأطفال أن المساعدة الصوتية في هاتفنا مخلوقة سحرية. في الحقيقة، رأيتها تجلس معهم وترسم على الورق: ‘هذه خريطة كيف تسمعنا الآلة؟ كيف تفكر؟’. لم تكن تشرح خوارزميات التعلم العميق، بل أوقفتهم للحظة وطرحت السؤال: لماذا؟ في عالم يتدفق بالمعلومات الجاهزة، أعادت لهم جمال السؤال البريء ‘لماذا؟’.
ذلك اليوم فهمت معنى التوجيه السليم: ليس بحشو عقولهم بالمفاهيم التقنية، بل بحماية براءة تفكيرهم ليبني حلولهم مستقبلاً.
هذه بالضبط هي الضوء الذي نريده في عيون أطفالنا، أليس كذلك؟
أدوات تفاعلية أم صداقات رقمية؟ لا تجعلوها تنافس اللمسات الدافئة

يحب أطفالنا الروبوت التعليمي الجديد كثيراً. لكن في ذلك المساء الممطر، حبست أنفاسي وأنا أراها تدخل الغرفة فجأةً: ‘انظروا، حتى الروبوت يحتاج إلى شحن بطاريته كي يرتاح!’ ثم أخرجت ألوانهم ولوحة الرسم. الألعاب الإلكترونية توقفت أمام ضحكاتهم وهم يخترعون شخصياتهم الورقية المتحركة.
حين علمت أن بعض التطبيقات تحلل تعبيرات وجه الطفل لتقييم مهاراته، ابتسمت. لا أخفيكم أنني أحيانًا أشعر بالتوتر عندما أرى عيناها تركز على الشاشة – هل سأكون قادرًا على إعادة اتصالها بالعالم من حولها؟ كم أمٌ تحتاج إلى خوارزمية لتعرف أن طفلها قلق أو سعيد؟ حين تقرأ عينيه قبل شاشته، ترسم مساراً للإنسان قبل التكنولوجيا.
ليس المهم أي لغة برمجة يتعلمون، بل أي إنسانية يصنعون

قرأت مرة أن بعض المجارس تدرّب الطلاب على كتابة أكواد برمجية. سألتها: ‘هل ستسجلينهم في دورات الذكاء الاصطناعي المبكر؟’ نظرت نحوي بلطف تلك النظرة التي تعرف أن الأسئلة الكبيرة تحتاج إجابات هادئة: ‘ما فائدة أن يبرمجوا روبوتاً إن لم يتعلموا أولاً كيف يعزفون على أوتار قلب إنسان؟’.
من يدري؟ ربما تكون ابنتنا مهندسة تطور أنظمة ذكاء اصطناعي لعلاج الأمراض، أو ربما تكون معلمة تعيد للبشرية شرنقتها الدافئة وسط عواصف التكنولوجيا. كلاكما خيار جميل، طالما بني على توازن: عقلٌ يفكّر، وقلبٌ يشعر، ويدٌ تبني.
اليوم، أرى أن التوجيه الحقيقي ليس في تجنب التكنولوجيا، بل في أن نتفهم معها. كلما توقفتُ عند سؤالها، وجعلتُه فرصة للحوار، أشعر أنني أبني معها مستقبلًا يجمع بين العقل والقلب. هذا هو التغيير الحقيقي في رحلتي كأب: أن أكون صديقًا يشارك، لا مجرد مرشد.
