
أتذكر تلك الليلة عندما جلستُ بجانبك على الأريكة، بعد أن نام الصغار أخيرًا. كنتِ تحاولين مرة أخرى أن تطلبي من المساعد الذكي أن يضع قائمة تسوق الأسبوع، وكأنه يسمعكِ للمرة الأولى. نظرتُ إليكِ وأنا أرى التعب في عينيكِ من ضرورة إعادة الشرح المستمر، وكأننا نبدأ من الصفر في كل مرة. في تلك اللحظة، أدركتُ أن ما نبحث عنه حقًا ليس ذكاءً اصطناعيًا، بل ذاكرةً اصطناعية – شيء يتذكرنا كما نتذكر بعضنا.
لماذا ينسى وكأنه يعاني من فقدان الذاكرة؟

أتذكر كيف كنتِ تضحكين ذات مرة قائلة إن مساعدنا الذكي يشبه ذلك الصديق الذي يلتقي بكِ في كل مرة وكأنه يراكِ لأول مرة. لكن تحت هذه الدعابة، هناك شيء أعمق. هذه الأجهزة الذكية، رغم كل قوتها، تعمل بمعزل عن ذاكرتنا المشتركة. إنها كإنسان ذكي جدًا لكنه ينسى كل محادثة بعد انتهائها.
أرى كيف يؤثر هذا على يومنا. تلك المرات التي طلبتِ فيها نفس الوصفة مرارًا، أو تلك الأغنية التي يحبها الصغير قبل النوم. في كل مرة، نعيد بناء جسر التواصل من جديد. وأنا هنا أفكر: لو كان بإمكانه أن يتذكر، لو كان بإمكانه أن يعرف أننا نحب القهوة في الصباح بهذه الطريقة بالضبط، أو أن الصغيرة تخاف من الأصوات العالية…
من أداة إلى رفيق: كيف تغير الذاكرة المستدامة اللعبة؟

أتخيل معكِ كيف سيكون الحال لو كان بإمكانه أن يتذكر. ليس فقط تفضيلاتنا في الطعام، بل تلك اللحظات الصغيرة التي تصنع عائلتنا. ذلك اليوم الذي نجح فيه الابن في ركوب الدراجة لأول مرة، أو تلك الوصفة التي ورثتهاِ عن أمكِ وأصبحت رمزًا لأيام الأحد العائلية.
أرى في عينيكِ ذلك التوق لشريك رقمي لا يحتاج أن نعيد له القصة من البداية في كل مرة. رفيق ينمو معنا، يتعلم معنا، يتذكر معنا. ليس مجرد أداة نستخدمها، بل جزء من ذاكرتنا العائلية المشتركة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في حياتنا العائلية

أفكر في الصغار وكيف سيكبرون مع هذه التكنولوجيا. أتخيل مساعدًا ذكيًا يتذكر أن الابن يحب القصص عن الفضاء، وأن البنت تفضل الأغاني الهادئة قبل النوم. شيء لا ينسى أننا في رمضان نحب الاستيقاظ للسحور، أو أن في العيد نزين المنزل بطريقة معينة.
وأضحك معكِ حين أتخيل أن هذا المساعد قد يصبح في النهاية العضو الأكثر تذكرًا في العائلة! لكن وراء هذه الدعابة، هناك أمل حقيقي. أمل في تكنولوجيا تفهمنا لا كأفراد، بل كعائلة – كنسيج من الذكريات والعادات والتقاليد.
رحلة نحو ذكاء أكثر إنسانية

وبعد كل هذه الأفكار، جلستُ أفكر في كل هذا وأنا أراقب نوم الصغار. الذاكرة، يا حبيبتي، هي ما يصنع الإنسانية فينا. وهي ما يمكن أن يصنع الإنسانية في ذكائنا الاصطناعي. ليس مجرد تذكر البيانات، بل تذكر المشاعر، تذكر الطقوس، تذكرنا.
أمسكتُ بيدكِ وأنا أقول: ربما يكون المستقبل ليس في جعل الآلات أكثر ذكاءً، بل في جعلها أكثر تذكرًا. أكثر قدرة على فهم قصة عائلتنا، واحتياجاتنا، وحبنا. لأن في النهاية، الذاكرة هي الجسر بين التكنولوجيا والإنسانية، بين الآلة والقلب. كما أشارت فوربس في مقالة حديثة بهذا العنوان (2025-09-23)
