
بينما نحن في حضنتنا الدافئة المسائية! يا له من تأمل عميق. أعرف أن بعضنا يتساءل: هل أطفالنا مجرد بيانات؟ تذكري تلك اللحظة حين توقف طفلك عن العشاء وقال: ‘أمي، قلبي متعب دونما سبب واضح’ – هذه البيانات الحقيقية التي لا يستطيع أي تطبيق تربوي حسابها. قرأت مقالاً عن التعليم المعاصر والذكاء الاصطناعي، كان يتحدث عن مدارس تحول الأطفال إلى نقاط بيانات، وتطبيقات تربوية تحسب كل شيء بدقة ميكانيكية… لكنها تنسى حساب الشيء الوحيد الذي تصنعه يداكِ كل يوم: تلك المساحة الدافئة حيث ينمو الإنسان قبل أن ينمو العقل. في عالم يلهث وراء الحلول السريعة، تظل نظرتكِ لأطفالنا هي البوصلة التي تعرف متى يحتاجون إلى حضن قبل شرح، وإلى صمت قبل إجابة.
عندما تتصادم الكفاءة مع القلب
صدقني، مررت بذلك أيضاً. قرأت عن تطبيقات تربوية ذكية تحلل سلوك الأطفال في ثوانٍ، وتقترح حلولاً فورية لكل مشكلة. تذكرت ذلك اليوم عندما حاولت إحدى تلك التطبيقات إخبارنا بأن ابنتنا ‘بحاجة لمزيد من التحديات الأكاديمية’ بناءً على درجاتها. لكنكِ نظرتِ بعينيكِ التي تعرف قراءة ما وراء الأرقام، ورأيتِ فيها إجهاداً خفياً يرتجف تحت سطح التفوق. قلتِ لي: ‘لنجعلها تتنفس قليلاً أولاً’.
كم هي المسافة بين برودة الخوارزميات وحكمتكِ التي ترى الإنسان قبل الطالب، والقلب قبل العقل؟
ذلك الفرق الذي لا تسجله أي تقارير ذكية: عندما تختارين التباطؤ في لحظة يحتاج العالم فيها إلى الإسراع، عندما تصمتين حيث يصرخ الآخرون بالنصائح. هذه هي ‘الكفاءة الحقيقية‘ التي لا يفهمها ذكاء اصطناعي: كفاءة القلب الذي يعرف متى يزرع البذور في الظلام، قبل أن يطالب بالثمار. في اليوم التالي، حاولي أن تضعي هاتفك جانباً أثناء وقت الغداء وانظري ما يحدث. هل يتحدث أكثر؟ هل يضحكون أكثر؟ هذه البيانات الحقيقية هي التي يجب أن تراقبينها – دليل قاطع أن التواصل البشري يتغلب على المقاييس الرقمية.
ما لا ترصده أجهزة الاستشعار

يتحدث الخبراء عن أجهزة تتابع نوم الأطفال وتغذيتهم وحتى انفعالاتهم، لكن من يصنع جهازاً يستشعر لحظة الخوف التي تمر كالبرق في عيني طفل قبل امتحانه؟ من يبرمج خوارزمية تفهم أن صياح الأطفال أحياناً ليس مشكلة سلوكية، بل مجرد طلب مموَّه للاحتضان؟
شاهدتكِ بالأمس وأنتِ تعدين وجبة العشاء، وقد لاحظتِ أن طفلنا الأصغر لا يلمس طعامه المفضل. لم تفتحي تطبيقاً لتحليل السلوك الغذائي، بل جلستِ بجانبه وسألته: ‘ما الذي يشغل بالك اليوم؟‘. كانت إجابته غير متوقعة: قلق من دروس السباحة. هذه البيانات الحقيقية التي لا تستطيع أي تطبيق رصدها. تمر بي أحياناً لحظات أشعر فيها أنني بحاجة إلى تطبيق يفهمني أكثر، لكن الحقيقة أن القلب الإنساني هو الأداة الوحيدة التي يمكنها فهم كل هذا. كم من طبقات المشاعر تختبئ تحت سطح ‘مشكلة بسيطة’، وكم من حكمة تحتاجها عيناكِ لرؤيتها؟ هذه هي البيانات التي لا تُدرج في التقارير: لغة الصمت، حكمة التريث، وقوة السؤال البسيط الذي يفتح الأبواب الموصدة.
الخيط الرفيع بين التكنولوجيا والحكمة

لا نرفض التكنولوجيا هنا، فأنتِ نفسك تستخدمين تطبيقات ذكية لتنظيم جدول العائلة أو البحث عن أفكار تعليمية. لكن الفرق أنكِ تعرفين متى تغلقين الشاشات لتفتحي القلوب. تلك اللحظات التي تتحول فيها غرفة المعيشة إلى مسرح للقصص العائلية، حيث يصبح هاتفك مهملاً في الزاوية لأن الحكايات الحية لا تحتاج إلى بطاريات.
هذا التوازن هو أعقد خوارزمية على الإطلاق: أن تأخذي من التكنولوجيا ما يخدم الإنسانية، لا ما يحل محلها. أنتِ تصنعين مساحة حيث يتعلم الأطفال استخدام الأدوات الرقمية دون أن يصبحوا أدوات لها. في عالم يريد تحويل التربية إلى معادلات، تظل نظرتكِ الشاملة هي البرنامج الذي لا يمكن تحديثه، لأنه مكتوب بلغة القلب منذ البداية.
حين تصبح الحكمة إرثاً
الإنسان يبقى أعقد من أي خوارزمية، وأغنى من أي قاعدة بيانات
شاهدت ابننا الكبير وهو يعلم أخته الصغيرة استخدام تطبيق تعليمي، ثم توقف فجأة وقال لها: ‘لكن تذكري أن الأم تقول دائماً: الشاشة مجرد أداة، والعقل أداة أعظم’. في تلك اللحظة فهمت أنكِ لا تبنين أطفالاً فقط، بل تزرعين فيهم مرشدين داخليين سيرافقونهم حتى عندما لا تكون الشاشات في متناول اليد.
في خضم ضجيج العالم التكنولوجي، تظل دروسكِ الهادئة هي الصوت الذي يعلو فوق كل الأصوات: أن الحلول الحقيقية لا تأتي من السرعة، بل من النظر العميق الذي يعرف متى يحتاج القلب إلى وقفة قبل العقل إلى إجابة.
المصدر: Politicians are pushing AI as a quick fix to Australia’s housing crisis. They’re risking another Robodebt, The Conversation, 2025-09-14
