
في إحدى الليالي بينما كنت أنا وزوجتي ننظف المطبخ بعد يوم طويل مع الأطفال، توقف طفلي فجأةً ليطرح سؤاله المفضل: لماذا لا تسقط الأرض؟ في ذلك الصمت بين طحن الهيل وروتين المساء، يتحول الفضول إلى لحظةٍ خاصة. لم تعد الأسئلة إرهاقاً… بل خيطاً ذهبياً تنسجه الأمهات كل صباح.
تخيل معي كيف تتحول تلك الكلمة ‘لماذا؟’ من كابوس مساء إلى مغامرة صغيرة نعيشها في غرفة المعيشة فكروا معي: كم مرةً شاهدتم فيها أطفالكم يبحثون عن إجابة باستخدام أدوات بسيطة، كقدِر الشاي، بينما يطاردون البخار كأنه شبحٌ ساحر؟
هذا ليس تعليماً عادياً… إنه سرّ يزرعه الآباء والأمهات العرب في لحظات التعب: أن كل سؤالٍ طفولي هو بذرةٌ تنتظر من ينثر فوقها فضولاً ليصبح شجرةً من المعرفة.
وهكذا، عندما ننظر إلى الأسئلة المزعجة، يمكننا أن نرى في الواقع فرصاً ذهبية
الأسئلة رحلات اكتشاف مشتركة

في بيوتنا العربية، حين تجلس الأم لحظةً هادئة خلف المطيخ، تذكّرنا بأن أسئلة الأطفال ليست استفزازاً… بل شعاع براءةٍ يُعيد اكتشاف العالم من جديد. في كل تفصيلٍ من حياتنا اليومية، أبحث عن أنماط اهتمامات أطفالي في أسئلهم. الإجابة لا تكون ‘لا أعرف’ كعذرٍ، بل دعوةٍ لرحلة: ‘هيا نبحث في كتاب الجد مع فنجان قهوة!’. حتى في وقت متأخر، تتحول ‘لماذا تمطر؟’ إلى مغامرةٍ بسيطة.
تخيلوا معي: ربط الكراسي بحبال لصنع مختبر صغير، ورسم الغيوم الورقية كجزءٍ من التجربة. فجأةً، أصبح السؤال عن الطقس رحلةً لصنع الذكريات. الأجمل في الأمر؟ رؤية الأمهات يبتكرن بأيديهن المتعبة دون أن ينتظرن اعترافاً
فكل سؤالٍ يصبح هديةً تفوق أي عشاءٍ دافئ. حتى في السفر، حين يسأل الأطفال عن لغتنا العربية، تتشكل القصص حول المنسف وحبة القمح لتصل الإجابة إلى جذور هويتنا. بين تربية كورية تقليدية وتعليم كندي مفتوح، تعلمت أن الأسئلة هي جسر بين ثقافتين، ليس فقط بين أجيال. لا يحتاج هذا الإبداع إلى موارد باهظة… بل إلى قلبٍ يؤمن أن سؤال ‘متى نصل؟’ قد يتحول إلى فرصةٍ للعد بالنجوم.
وعندما نرى الأطفال يطرحون أسئلةً ككرة اللهب دون توقف، ندرك أن تعب الأمهات اليومي هو وقود هذه الرحلة.
البيت مختبر الابتكار الأول

في بيوت العرب، تتحول الغرف العادية إلى مختبرات ابتكار. ورشة الغسيل قد تصبح مكاناً لتجارب علمية بسيطة: الغطاء البلاستيكي لعلبة الدجاج يصبح طبقاً للموازين، والأزرار القديمة اختباراً للألوان.
حين يسأل الأطفال عن ‘كيف تطير الطائرة؟’، لا يُطلب منهم اللعب في الحديقة، بل يشاركون في طي المظلات الورقية من صحفٍ قديمة. في إحدى الزيارات، شوهدت امرأة عربية تستخدم الأطباق البلاستيكية لصنع قبة جليدية تشرح بها حماية الثلوج للأنهار.
هذه الحكمة تذكّرنا بمقولة الآباء: ‘الغنية تبني من الخردة’. حتى في شهر رمضان، كوب الماء المستخدم لاحتساء السوائل يتحول إلى أداةٍ لشرح الظواهر الحرارية.
عندما تشكو الأمهات من عدم وجود مختبر مجهز، نذكّرهن بأن ‘العلبة الفارغة كنزٌ لطالب العلم’. المهم أن نحمي براءة التجربة، فلا يخشى الأطفال أن يذروا السكر في القهوة لمجرد الرغبة في فهم ‘كيف يذوب؟’.
التكنولوجيا: رفيق في المغامرة

في عالم اليوم، الهواتف قد تكون تحدياً، لكنها أيضاً فرص. بدلً من اعتبار الشاشات عدواً، يمكن تحويل ‘البحث عبر الإنترنت’ إلى رحلة عائلية: ‘هيا نكتشف معاً كيف تصنع حلوى البسكويت عبر الفيديو!’. حتى في أوقات الضغط، يوضع شرطٌ ذهبي: ‘نستكشف معاً لمدة 15 دقيقة’.
فتصبح المعلومات امتداداً للحوار أثناء الأعمال المنزلية. في يوم ممطر، قد يسأل الأطفال عن أشجار النخيل، فنستخدم خرائط العالم الافتراضية لزيارة الإمارات افتراضياً.
قد نضحك عندما نرى تجاراً على الشاشة يبيعون التمر تحت النخيل! في الثقافة العربية، نُبسّط المفاهيم التقنية بمقارناتٍ مألوفة: ‘الإنترنت مثل ماء الحنفية، يجري لينقل المعرفة’.
نعترف بأن معظم ما تعلمناه عن الفضاء كان بينما نتحقق من ‘طقس المريخ’ افتراضياً، بينما يرسم الأطفال المذنبات على الطاولة. هنا، التكنولوجيا ليست عائقاً… بل رفيقاً في المغامرة.
التحول من العقبات إلى فرص

في رحلة تعليم الأطفال، قد تواجهون لحظات تحطم فيها التجربة بانسكاب الزيت، أو ينام الأطفال قبل فهم ‘كيف تنمو الزراعة؟’. هنا تذكّرنا حكم الجدات: ‘الماء لا يخترق الصخرة بقوته، بل بثباته’. بدل اللوم، نحول الفشل إلى فرصة: ‘هيا نعيد التجربة بكوب شاي جديد!’. أمس فقط، سألت ابنتي عن سبب قفازاتي. بدلاً من الإجابة المباشرة، قمنا بتجربة بسيطة مع الحرارة والماء، وفي تلك الليلة، لم تكن تتعلم فقط، بل كنت أنا أتعلم كيف أكون أبًا أكثر فضولاً.
حتى كسور الأدوات تصبح درساً في الصبر، حين نبحث معاً عن ‘كيف يصلح العلماء أدواتهم؟’ لتتحول القصة إلى اكتشاف ‘النور في الظلام’. في تراثنا العربي، ‘ما حلت بالعافية إلا بالصبر’ مقولةٌ نعيشها يومياً. فحين يسأل الأطفال ‘لماذا نتنفس؟’ مراراً، قد يصبح السؤال بوابةً لقصةٍ عن البحار.
أحياناً نخطئ بالإجابة سريعاً لإنهاء السؤال، لكن نذكّر بعضنا: ‘الرحلة أهم من الجواب’. هنا تكمن الهدية: عندما نتقبل التعب كجزءٍ من الرحلة، يصبح فضول الأطفال طاقةً لا تنضب.
فنحن لسنا معلمين في فصلٍ مدرسي… بل مسافرون نبنّي قارباً من الأسئلة، معاً.
Source: LTIMindtree Partners with Shopify to Launch an AI Commerce Center of Excellence, Financial Post, 2025/09/17 09:33:16
