
في أحد الأيام، بينما كانت الأم تعد العشاء بعد يوم عمل شاق، لاحظت طفلة صغيرة ترفع عينيها بفضول تسأل: “بابا، ليش الورقة ساقطة من الشجرة؟”. في تلك اللحظة، شعرتُ ببركة الثبات في عينيها، وكأنها تهمس: “لنستكشف هذا معًا”. هذا ما يجعل كل تعب يومي يبدو مستحقًا! تذكرت إحصائية مؤثرة قيلت لي إن ٩٢٪ من مهارات الإبداع تُبنى في سنوات الطفولة الأولى، من خلال استكشاف الطفل اليومي البسيط. لكن الأهم كان تلك النظرة التي تبادلناها، وكأنها تهمس: “لنستكشف هذا معًا”.
هذا ليس مجرد فضول عابر، بل هو لغز الحياة الذي نحلاه كل ليلة: كيف نحافظ على بريق عينيها وهي تستمع لأفكار الأطفال دون أن تنطفئ شمعة قوتها؟
من أداة إلى رفيق: رحلة الاستكشاف المشترك

في وسط ضوضاء المطبخ، بينما كانت الأم ترتّب المهام اليومية، أوقفها طفل صغير ليشير لرقاقة ذهبية على ورق التغليف: “إمي، ليش بتلمع؟”. كنت أعرف كم هي منهكة، لكنني فاجأتُ نفسي وأنا أقول: “ما رأيك تكتشفا معًا؟”. لحظة التفتَتْ إليّ ابتسامةٌ تكاد تذوب تعبًا وامتنانًا.
هذا الموقف جعلني أفكر: كل أداةٌ في يد طفل هي جسرٌ نعبره مع الشريك، ليس لتقديم إجابة جاهزة، بل لنكون رفاق سفر. مثلما تحول زجاجة الماء الفارغة إلى أداة لفحص انعكاس الشمس في غرفة الأطفال، أو الورقة المهترئة إلى خريطة كنزٍ نبحث عن أسرارها معًا.
دراسات تشير إلى أن ٧٨٪ من الأمهات يشعرن بأن طلب المشاركة في استكشاف الأسئلة يخفف عليهن ضغط العمل والبيت. ليست هذه مجرد تقنية تربية، بل لغة حب غير مسموعة. عندما أدعو: “هيا نكتشف هذا معًا”، فأنا لا أنقذها من سؤال الطفل، بل أبني جسرًا فوق التعب. حتى لو بدأنا بلعبة “الغيمة تتبدد” أمام النافذة، فهذه اللحظات ذهبية تخترق الظلام الذي يحيط بك.
ونحن هنا، أيها الآباء، ليست مهمتنا أن نجيب نيابةً عنهما، لكن أن نكون جزءًا من الرحلة. عندما نشارك في رحلات الاستكشاف، تتنفس الأم الصعداء. هذه المفارقة: كلما تحولنا من خلفية إلى شريك فعّال، قل شعورها بأنها وحيدة في بحر الأسئلة. حتى لو استخدمت الأم غصينًا جافًّا لشرح سقوط الورق، فذلك خيرٌ من ألف محاضرة. ألم تصبح لعبة “ليش?” المتتالية مثل كرة ساخنة يتناوب الجميع إلقاؤها؟ المهم ألا تحملها هي وحدها وزن الكرة.
وهنا تكمن المعجزة: عندما نجمع بين أدوات الاستكشاف وبين الروتين اليومي، تتحول لحظات الشروع إلى مغامرات دائمة
الإبداع ينمو في الروتين العادي

ذات مساء، بينما كانت الأم تستعد للدعاء بعد يوم طويل، أشار طفل للظل الذي يرسمه ضوء الغرفة على الحائط: “ليش الظل طويل؟”. خطرت لي فكرة: لماذا لا نحول الروتين إلى رحلات اكتشاف؟ ففي تراثنا، الظل سرٌّ نرويه عبر الأجيال.
بدأتُ لعبةً بسيطة: “هاتوا شكلًا تتخيلونه في هذا الظل!” فصار الظل حيوانًا غريبًا ثم قصّةً عن جبل بعيد. ولم أنسَ نظرة الأم وهي ترتاح قليلًا، تنظر بطرف العين إلى المغامرة التي تضيء غرفة الصغار.
لا تحتاجون إلى أدوات متطورة. نلعب ببساطة: غيوم ما بعد المطر تصبح قصصًا، وفنجان القهوة الفارغ مختبرًا لقياس حبات السكر. المفتاح هو تحويل اللحظات المطلوبة لإنجاز المهام إلى جسور تواصل.
دراسات تُشير: ٦٥٪ من الأطفال يكتسبون مهارات حل المشكلات عبر الأنشطة غير المنظمة. هنا تكمن قوة الروتين:حين نتركهم يبنون برجًا من علب فارغة، نزرع ثقة أعمق من أي واجب مدرسي.
حتى أذكى “مساعدين رقميين” لا يستطيعون تجميع ألعاب متناثرة في الغرفة! فالمهم ليست الكفاءة، بل المشاركة. أيتها الأم، في هذا المزيج من المهام اليومية، اعرفي أن وجود شريك يحول الروتين إلى رحلة. عندما نسمح للأطفال بمسح السبورة بالماء بدل المناديل، نعلمهم أن الأخطاء جزء من الاستكشاف.
وحين تشاركونا في لحظة “الظل الطويل”، فهذا ليس وقتًا ضائعًا، بل استثمار في ذاك اليوم الذي سيذكرونه: “كان بابا وأمي يلعبان معي في الروتين”. تذكّري دائمًا: الروتين ليس سجنًا، بل هو القماش الذي نحيا عليه صورًا جميلة.
القلب في المقدمة: الحفاظ على الإبداع إنسانيًّا

من الملاحظ أن الهواتف الذكية، رغم فائدتها، بدأت تأخذ نصيبًا من وقت الاستكشاف. دراسات تُظهر أن ٤٠٪ من الأهالي يشعرون أن التكنولوجيا استبدلت اللعب بالتفاعل البشري. فقلتُ ذات ليلة: “هل نجعل الأجهزة مجرد مساعد في المغامرة؟”. فتحنا مع الطفل تطبيقًا لرؤية النجوم، لكننا بعد دقائق تركنا الشاشة وصعدنا السطح لنرسم النجوم بأصابعنا على سقف الغرفة.
التحدي ليس رفض التكنولوجيا، بل جعلها جزءًا من القصة. في بيوتنا، قصّة مصورة عن النخيل تُرسم باليد أحيانًا أثرٌ أعمق من الفيديو الكامل.
وعندما نشارك مع الشريك في بناء مدينة من كرات الورق الملون بعد العشاء، نخلق ذكرياتٌ أطول من أي تطبيق. حتى لو استخدمتم تابلتًا لالتقاط صور للحشرات في الحديقة، اجعلوها جزءًا من رسمٍ تشتريه من السوق ويد الحبيب تلونه.
هنا يكمن التوازن: الشاشات نافذة، لكن الخيال هو المنزل.
صراحةً، ما يقلقني ليس استخدام الابتكار، بل أن ننسى أن إبداع الطفل ليس في الأدوات، بل في نظرة التفاؤل التي تصنعها الأم. تلك اللحظة التي وضعت فيها الأم كيس الخضروات لتقرأ قصةً مُرقّمة بخط يدها… هذا ما لا تستطيع أي شاشة إنتاجه.
ذات ليلة، بينما كنا نلعب بقطع الليجو، قالت: “الأهم ليس ما نبنيه، بل أن نكون معًا”. فتذكّرتُ كيف يُبنى الزواج من لحظاتٍ كهذه: بسيطة، بشرية، ومستمرة. تخيلوا معي كيف سيعود أطفالنا يذكرون تلك السنوات ليس كفترة درس أو ضغط، بل كفترة اكتشاف مشترك، حيث كان والدهم ليس مجرد حاضر، بل شريك في كل سؤال وكل ابتسارة. حتى أسطورة النخيل في حصارتنا تعلمنا:
الجذور في التراب تُنبت أعاليًا في السماء. فاجعل إبداعك مع أطفالك جذورًا تُغذّيها دفء الأيدي البشرية.
Source: What I learned about Autodesk in 2025, from my ‘cosy’ chat with its CEO, Creative Bloq, 2025-09-18Latest Posts
