
أحياناً، تكون أقوى المحادثات تلك التي تدور في صمت. كنت أراقبها وهي تراقبه. طفلنا كان يجلس على الأريكة، منهكاً تماماً في تطبيق تعليمي على الجهاز اللوحي. لم تكن تنظر إلى الشاشة، بل كانت عيناها مثبتتين عليه، على تعابير وجهه الصغيرة. رأيت في نظرتها ذلك المزيج الذي يعرفه كل أب وأم… قليل من القلق وكثير من الحب. هل تشعرين بالقلق بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على أطفالك؟ أنا أيضاً شعرت بذلك. كانت تتساءل بصمت، وأنا كنت أتساءل معها. هل هذا العالم الرقمي يبني عقولهم أم يسرق طفولتهم؟ في تلك اللحظة الهادئة، بدأت أرى إجابة مختلفة تتشكل.
نظرة في عينيها… عالم من الأسئلة الصامتة

كلنا نعرف تلك النظرة. إنها النظرة التي تظهر عندما يقدم طفلنا على فعل شيء جديد، شيء لم يكن جزءاً من طفولتنا.
كانت تراقب أصابعه الصغيرة وهي تتحرك على الشاشة، تحل لغزاً بسيطاً صممه الذكاء الاصطناعي ليتناسب مع مستواه. لم تكن قلقة من اللعبة نفسها، بل بما تمثله. هل سيحل هذا محل تفاعلنا معه؟
تلك الأسئلة كانت تراودنا في صمت، وأنا أشعرها كما لو كانت في قلبي أيضاً
في تلك اللحظة، انقلبت نظرة زوجتي رأساً على عقب! القلق في عينيها بدأ يختفي، وحل محله دهشة حقيقية… كنت لأرى التغيير بوضوح.
عندما لا يكون مجرد شاشة… بل نافذة للفضول

ولكن فجأة، انقلبت كل التوقعات! رفع طفلنا رأسه فجأة، وعيناه تلمع بحماس لا يخفيه، وكأنه وجد سراً عظيماً. لم يكن يسأل عن اللعبة، بل سأل سؤالاً أعمق أشعلته اللعبة. “بابا، كيف يعرف التطبيق أنني أحب الديناصورات؟”.
تغيرت نظرة زوجتي في تلك اللحظة. تلاشى القلق ليحل محله دهشة خفيفة. لم تكن مجرد شاشة بعد الآن، لقد كانت شرارة.
تحول الحديث من مجرد استهلاك للمحتوى إلى حوار حقيقي عن التكنولوجيا، عن التفضيلات، وعن العالم من حوله. لقد فتح باباً لم نكن لنطرقه في ذلك المساء لولاه. في عينيها رأيت أول شرارة من الأمل! لم تكن مجرد نظرة، بل كانت لحظة فهم حقيقية… في تلك اللحظة، تحولت التكنولوجيا من “الخصم” إلى “المساعد” الذي يمكننا أن نتعلم منه جميعاً.
مهارات تتشكل بهدوء… مثل بناء المكعبات

مع مرور الأيام، بدأت ألاحظ أشياء أخرى. الذكاء الاصطناعي لم يكن مجرد محفز للفضول، بل كان مدرباً صبوراً.
في إحدى المرات، كان الطفل يواجه تحدياً في تطبيق لبناء الأشكال. لم يقدم له التطبيق الحل، بل قدم تلميحات صغيرة، خطوات إرشادية بسيطة. رأيته يركز، يجرب ويفشل، ثم يحاول مرة أخرى حتى نجح.
تلك الزغردة الصغيرة التي أطلقها كانت بمثابة ألف فياء! في ثوانٍ، نسينا كل المخاوف وركزنا على السعادة الخالصة التي كانت تعلو وجهه. نظرت إلى زوجتي، وكانت تبتسم تلك الابتسامة الهادئة المليئة بالفخر. نحن نتساءل كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير مهارات الأطفال؟ الإجابة كانت أمامنا. إنه يبني قدرتهم على حل المشكلات، يعزز مثابرتهم، ويعلمهم أن المحاولة مرة أخرى ليست فشلاً.
لسنا مراقبين فقط… بل شركاء في رحلة التعلم
في النهاية، أدركنا أن السؤال الأهم ليس “كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على تعليم أطفالنا؟”، بل “كيف يمكننا أن نكون جزءاً من هذا التعليم؟”.
التكنولوجيا ليست مربية، إنها مساعد. هي تفتح الأبواب، ونحن من يجب أن ندخل مع أطفالنا من خلالها. عندما يسأل عن الديناصورات، نذهب إلى المكتبة ونحضر كتاباً. عندما يحل لغزاً، نحتفل بنجاحه الصغير.
الحديث الليلي الهادئ بيني وبينها لم يعد مليئاً بالقلق، بل أصبح مليئاً بالخطط والأفكار. الذكاء الاصطناعي لم يبعدنا عن طفلنا، بل بطريقة غريبة، قربنا منه أكثر. وجدنا أنفسنا شركاء في رحلته، نكتشف العالم معه من جديد.
