
همس الليل في البيت، بعد هدوء خطوات الأطفال، لفت انتباهي إلى أمرٍ غريب: حديثٌ في مدرسة ابني عن روبوتات تجيب على أسئلته بدلًا مني.
أذكر بوضاح وجه زوجتي بالأمس عندما سألت ابنتنا “هل يمكن للشجرة أن تتحدث؟” فلم تهرب إلى الجوال بل جلست وسألت: “لو تحدثت، ماذا تتوقعين أن تقول؟” أعرف، هذا السؤال يبدو بسيطًا لكنه حملني في رحلة من التأمل.
نظرت إلى عينيها المتعبتين ودرت في داخلي: هذه ليست مجرد إجابة.. هذه معركة شرسة لنحافظ على روح الإنسان في قلب التكنولوجيا.
لماذا ‘لا أعرف’ تهزم كل التطبيقات

في زمنٍ تجيب فيه المساعدات الافتراضية على “لماذا تتساقط الأشياء؟” قبل أن تكتمل الجملة، لاحظت شيئًا غريبًا:
عندما تقول زوجتي أمام الأطفال “لا أعرف، لكن دعونا نفكّر في هذا معًا”، يتحول الجو في الغرفة.
ليس كسلًا، بل اختيارًا واعيًا. كأنها تفتح بابًا سريًّا في عالمهم: “اسألوا، وخلونا نستكشف الطريق”.
تذكّرت توصية خبيرة التربية: “الاختيار بين ‘اسأل جوجل’ و’فلنحلل هذا’ هو أول اختبار أخلاقي نمرّ به كآباء”.
في أحد الأيام، سأل ابني “من أين يأتي المال؟” فلم تضغط على فيسبوك لتبحث.
بدلًا من ذلك طلبت: “هل تعرفون لماذا نذهب صباحًا لعملنا؟” بدأت المحادثة التي استمرت 20 دقيقة.
هذه هي المعركة الحقيقية: ألا نسمح للإجابة السريعة أن تقتل سؤال الحكمة.
هذه التغيرات في طريقة أسئلتهم لم تكن بالصدفة
لماذا تختار الإجابة ‘البشرية’ وسط ضغط العمل؟

هل شعرت يومًا بهذا الإرهاق الذي يلوّن نظراتك عند المساء، عندما تضعين آخر ملفّ في العمل ثم ترتدين قبعتك الجديدة: مُكتشفةٌ للغابة الكونية برفقة ابنتنا.
أحيانًا أراقبك تمسكين بلحيتك بين أصابعك المتعبة، بينما تشرحين لماذا الغيوم لا تسقط من السماء.
أتساءل بيني وبين نفسي: كيف تتحملين هذا السير المتوازن بين مهامك العديدة؟
وثم أتذكّر جوابًا من مقالة قديمة: “الوالدية الحقيقية تبدأ عندما نختار أن نكون حاضرين رغم كل شيء”.
التحدي الأكبر ليس الوقت، بل الأصوات التي تضغط عليك: “يجب أن تكوني خبيرة في كل شيء!”، “يجب أن تعرفي كل إجابة!”.
لكنك، في صمت، ترفضين هذا العبء. الليلة الماضية، عندما سأل الابن “هل الروبوتات تشعر بالحب؟”، لم تهربي إلى مقطع يوتيوب.
بل سألتي: “ماذا يشعر قلبك عندما تلعب مع أختك؟” هنا رأيت أقصى صراعك اليومي: مقاومة التكنولوجيا الجاهزة لمصلحة الإجابة الإنسانية.
كيف تتحول أسئلتهم إلى جلسات أخلاقية غير مُعلنة؟

لاحظت أن أسئلة الأطفال المجنونة أحيانًا تصبح دروسًا أخلاقية دون أن ندري.
في الأسبوع الماضي، سألت ابنتنا: “لماذا لا نستخدم الذكاء الاصطناعي في كل شيء؟”.
فجأة، جلست زوجتي بجانبها وقالت: “تخيلي لو سألنا روبوتًا عن وجهة نظركِ في الجارة الجديدة.. هل ستكون إجابته عادلة؟”
لم أكن أتوقع أن سؤال طفلة بتلك البساطة سيفتح نقاشًا عن المسؤولية الأخلاقية في استخدام التكنولوجيا.
هنا رأيت سرّها: ليست تربوية.. بل إنسانية. تربط التكنولوجيا بقيم القلب من خلال الحوارات العائلية الطبيعية.
في لحظات كهذه، أدرك أن ما تفعله ليس ‘تعليم الذكاء الاصطناعي’ بل زراعة الوحدة الإنسانية.
عندما تقول “هل يمكننا البحث عن هذا معًا؟” بدلًا من “اسأل الماسح الضوئي”، تزرعين فيهم أن التكنولوجيا يجب أن تكون دائمًا خادمة لقيمنا، لا سيدتها.
أخيرًا، في أحد الأيام بينما كانت تشرح لماذا لا يجيب المساعد الافتراضي على “من أين تأتي الأفكار؟”، سألت: “لو تخيلتَ أن الأفكار طيور.. هل ستحبسها في قفص الهاتف؟”.
رأيت لمعة فهم جديدة في عيون ابني. هذا هو التحدي الحقيقي: جعل التكنولوجيا جزءًا من قيمنا لا جزءًا من تفكيرنا فقط.
Source: Government confirms North East as location of second AI growth zone, Computer Weekly, 2025-09-17
